الكفر كله ملَّة واحدة
قال اللَّه تعالى:
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (١٠) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ (١١) كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (١٢) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (١٤) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (١٥)
* * *
إن حقيقة الكفر واحدة، وإن تعددت الأجناس والأنواع واختلفت الألوان، فالإنسان هو الإنسان لَا تختلف حقيقته، وإن اختلفت الصور، فالمؤمن حقيقته واحدة، وإن اختلفت الأزمان، والكفر ملة واحدة، وإن اختلف الأقوام، فما تراه في مشركي مكة يرى في غيرهم ممن مضوا.
ولقد قال مسليًا نبيه:
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَع الأَوَّلِينَ) هنا اسم مفعول محذوف دلت عليه كلمة أرسلنا رسلا من قبلك، وقد كان لهم ما يكون لك من الذين يعتقدون اعتقادا باطلا، ويستمسكون به ويكونون فرقًا وشيعًا يتشيعون لها، فقوله في (شِيَعِ الأَوَّلِينَ)، أي في جماعات متشيعة لفكرة واحدة، يتعصبون لها ولا يخرجون عنها، وأصل الشيعة من الشياع، وقد قال البيضاوي في ذلك: " جميع شيعة، وهي الفرقة المتفقة على طريق ومذهب، من شاعه إذا اتبعت، وأصله الشياع، وهو الحطب الصغار توقد به الكبار ".
وعبر سبحانه وتعالى بشيع الأولين؛ للإشارة إلى أنهم لم تكن خالية أذهانهم، بل كانت مملوءة، ولكن بزور من الفكر والقول، يتعصبون له على غير بينة، ويشيع بينهم من غير تفكر، ويتبعوه خلفا عن سلف، ويقولون: (... بَلْ


الصفحة التالية
Icon