نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (١٧٠).
فإذا كان محمد - ﷺ - قد عانى من هؤلاء المشركين الذين يتشيعون لأوثانهم، فقد عانى الرسل قبلك نفس المعاناة من شيع الأولين، فاصبر يا محمد كما صبروا.
وقد ذكر سبحانه وتعالى حال هؤلاء الرِسلِ مع تلك الشيع المتجمعة على الباطل فقال:
(وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ (١١) (الواو) تصل الجملة التي سبقتها بالجملة التي لحقتها، وهي موضع السلوى لمحمد - ﷺ - من إيذاء الضعفاء أصحابه الذين لَا يملكون حولا ولا طولا، ولا جوارا يدفع عنهم، واستهزاء بالدين الحق، وصاحبه وأتباعه، ومعنى الجملة السامية (لا يأتيهم، أي رسولي (إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ))، فـ (مِّن) هنا صلة لبيان عموم النفي، والاستهزاء به، أي لَا يأتيهم أي رسول فمهما يكن ما عليه من خلق كريم، ومهما يكن ما يأتي به من حق مبين إلا جعلوه والحق الذي معه موضع استهزائهم وسخريتهم، وذلك لفساد عقولهم، وسفه أحلامهم، وكان ذلك اختبارًا لصبر الرسل، وقد صبروا.
ويقول الزمخشري: " إن قوله تعالى: (وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ) حكاية لحال ماضيه، لأن (ما) لَا تدخل على مضارع إلا وهو في معنى الحال، ولا على ماضٍ إلا وهو قريب من الحال، ولعل مراده أنهم استمروا على هذه الحال في الماضي، فالواقع بك من سخرية واستهزاء هو استمرار لحال وقع بعضها في الماضي، ويقع الباقي معك، (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ...).
وإن ذلك شأن الإجرام في الحاضر والماضي يدخل بالاستهزاء في قلوب المجرمين، ولذا قال تعالى:
(كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (١٢)
والسلك إدخال الشيء في غيره كإدخال الخيط في الإبرة، والرمح في المطعون، والسهم في الهدف، والضمير في (نَسْلُكُهُ) يعود إلى الضلال والتعصب والاستهزاء، وهذا كله مفهوم من سياق الكلام، ويصح أن يعود الضمير


الصفحة التالية
Icon