وَانشَقَّ الْقَمَرُ)، فاستعجلوه، وقوله تعالى:
(أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ)، قال فيه النحويون: إنه ماضٍ بمعنى المضارع، وعبر بالماضي لتأكد
وقوعه.
وفى الحق: إن الأزمان بالنسبة للَّه تعالى لَا تختلف بين ماضٍ ومستقبل بل إن ذلك بالنسبة لنا؛ إذ يختلف الماضي الذي نعلمه واقعا عن المستقبل الذي لا نعلمه بل في الغيب المكنون المستور عنا.
على أن قوله تعالى: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ)، أي تقرر أمر اللَّه تعالى وما يقرر اللَّه تعالى قد أتى فيه قراره، وتعلقت به إرادته، وإذا كان قد أتى فلا تستعجلوه؛ لأنه قد قرر فهو واقع لَا محالة، واستعجالكم لَا يعجله، وسكوتكم لَا يؤجله، و (الفاء) في قوله تعالى: (فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ)، تدل على أن ما قبلها سبب لما بعدها، فسبب النهي عن الاستعجال أنه تقرر بالفعل، وقوله تعالى: (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)، أي تنزه وتقدس وتبرأ، وتعالى أي تسامى عما يشركون، و (ما) مصدر حرفي أو اسمي، وفي الجملة معنى النص السامي: تقدس سبحانه وتسامى في علوه عن أن يكون له شريك في السماوات والأرض.
وهذه العبارة السامية فيها تقرير أن اللَّه واحد لَا شريك له، ولا يمكن أن يكون له شريك في قدسيته، وكبريائه، وقد بين اللَّه سبحانه وتعالى بعد ذلك أنه أرسل الرسل بهذه الحقيقة لينذر المشركين بإرسالهم، فقال تعالى:
(يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (٢)
(الروح) فسره ابن كثير بأنه الوحي، كما قال تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢). وتسمية الوحي روحا؛ لأنه يجيء بما فيه حياة الناس، فهو كالحياة لهم، أو يقوم مقام الروح في الأجساد. وقوله تعالى: (عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ)، أي من