الراسيات، والبحار التي تجري الفلك فيها ماخرات عبابها، والأنهار والأمطار تنبت الزرع، وتأتي بالثمار، هذا ما يشير إليه؛ لذا كان سبحانه وتعالى قد خلقها بذلك الإحكام وبذلك النظام الثابت الذي لَا يتخلف، وأنه سبحانه وتعالى هو الذي يمسك السماوات والأرض، فهو سبحانه وتعالى المتعالي عن الشركاء؛ ولذلك قال اللَّه تعالى: (عَمَّا يُشْرِكونَ) تسامى في ذاته عن أن يكون له شريك، لأنه ليس كمثله شيء قط، فهو المنفرد بالخلق والتكوين والإنشاء.
وقوله سبحانه: (تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) كانت هذه الجملة مفصولة عما قبلها، لتمام الاتصال فإن تمام الاتصال يوجب فصل الجملتين، كما يوجبه كمال الانفصال، إذ الجملة الأولى سببا للثانية، فإن الخلق للسماوات والأرض سبب لكمال العلو عن المثل والشريك.
هذا هو الخلق العام، والإنسان نفسه فيه إثبات قدرة اللَّه بديع السماوات والأرض ومبدع الإنسان؛ ولذا قال تعالى:
(خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٤)
وهو الماء الذي يخرج من بين الصلب الذي قالت آية أخرى: (... مِن مَّاء مَّهِينٍ)، وقوله تعالى: (فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مبِينٌ) يشير إلى الأدوار التي مر بها من طين فنطفة، فعلقة، فمضغة، كما قال تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (١٤)، هذه أدوار الإنسان، وهو جنين لم يخرج إلى ظاهر الوجود، وإذا خرج إلى ظاهر الوجود كان معه السمع والأبصار والأفئدة، حتى تكون فيه كل قوى الإنسان من لسان وعينين وأذنين.
هذه الأدوار كلها يشير إليها قوله تعالى: (فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مبِينٌ)، الخصيم الناطق المجادل الذي يحسن إدارة القول وتحويره وتحويله كعمرو بن العاص الذي