الماء هو الصلة التي تصل السماء بالأرض فمنها ينزل المطر إلى الأرض، وقد ذكر سبحانه وتعالى نعمتين جليلتين فيه:
أولاهما - أن منه الشرب، وري الأبدان، وقد عبر سبحانه بقوله تعالى:
(لَكُم مِّنْهُ شَرَابٌ)، وقال سبحانه: (لَكُم مِّنْهُ شَرَابٌ)، أي أن الماء لكم منه شراب، تشربونه وتدفعون به العطش، وعبر سبحانه بقوله تعالى لكم منه شراب ليشمل شربه ريا وسقيا، ويشمل اتخاذه محلى بمادة من مواد الحلوى، وليشمل الشراب الذي يكون من النبات والكروم غير المتخمر، فإن الماء أصل ذلك كله.
وثانيتهما - أن (وَمِنْهُ شَجَر فِيهِ تُسِيمُونَ)، والشجر يطلق على كل نبات سواء كان زرعا ينتج حبا متراكما، أم كان غرسا لكل ذلك يسمى، وقد ذكر البيضاوي شعرا في ذلك، وهو:

يعلفها اللحم إذا عز الشجر والخيل في إطعامها اللحم ضرر
فالشجر الذي يعز في علف الخيل هو الزرع لَا الغراس ومعنى قوله تعالى: (تُسِيمُونَ) من أسام الماشية إذا رعاها، وجعلها تطلب أماكن الكلأ والرعي، وأصلها من المسومة، وهي العلامة التي تكون قطع الكلأ، ورعي النعم له.
وإن هذه بلا ريب نعم تستحق الشكر، فهل تشكرون.
وقد فصل سبحانه وتعالى القول فيما تكون من ماء السماء، فقال تعالى:
(يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١١)
الضمير في (بِهِ) يعود إلى الماء، أي ينبت الله تعالى لكم بهذا الماء الزرع وهو الحب المتراكب والكلأ، ونحوه من أنواع الزيتون، والنخيل والأعناب، ومن كل الثمرات.


الصفحة التالية
Icon