وسخر اللَّه تعالى النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر.
وقد ختم الله سبحانه وتعالى الآية بقوله: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)، أي في ذلك الذي ذكره سبحانه من خلق السماوات والأرض، وتسخير الليل والنهار، والشمس والقمر والنجوم، لآيات بينات دالة على وحدة الخالق، وأنه وحده المستحق للعبادة، لقوم يعملون عقولهم في خلقِ السماوات، وإدراك حقيقة الوجود، ولا يقولون في عبادتهم: (... بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا...).
ولقد قال في ذكر بديع خلقه:
(وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (١٣)
الواو عاطفة على الليل والنهار، والعطف على نية تكرار الفاعل، والمعنى " سخر لكم ما ذرأ)، وذرأ: خلق وأباع، وقوله تعالى: (مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ) حال، فالبذر في أرض واحدة، أو تطع من الأرض متجاورات، وتسقى بماء واحد، وتسمد بسماد واحد ومع ذلك يخرج الزرع مختلفا ألوانه، والحيوان مختلف الألوان، والإنسان مع أن النطفة واحدة يكون مختلف الألوان، كما قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ...).
وإن تسخير الله ما ذرأ مختلفا ألوانه، فيه نعمتان جليلتان أنعم اللَّه تعالى بهما على عباده:
النعمة الأولى - أن اختلاف الألوان يومئ إلى اختلاف الأنواع والأصناف، وكل يؤدي للإنسان غرضا فهذا يكون منه لباسه، وذاك يكون منه طعامه، وذلك منه أثاثه وزينته ومنه ما يكون أداة حربه وجهاده.
النعمة الثانية - أن اختلاف الألوان يكون فيه بهجة للناظرين، ويجعل الأرض ذات منظر بهيج. وإن المعادن التي ذرأها اللَّه تعالى في الأرض من حديد ونحاس وذهب وفضة وغيرها من فلزات، هي مختلفة الألوان، وفيها بهجة