موضع وهو رزق لأهله موضع آخر، فيقطع البقاع والبراري والقفار ويخترق الجبال والآكام فيصل إلى البلد الذي سخر لأهله ".
وفى ذكر الأنهار بعد الجبال إشارة إلى أن الجبال كما أنها أوتاد الأرض تنزل من فوقها الأمطار، فتجري في الوديان والأنهار، كما ترى في نهر النيل ودجلة والفرات وغيرها.
(وَسُبُلًا)، أي طرقا يسير فيها السائرون كما قال تعالى: (... وَجَعَلْنا فيهَا فِجَاجًا سُبُلًا...)، وختم اللَّه تعالى الآية بقوله: (لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)، أي رجاء أن تهتدوا وتدركوا الحق وتتركوا الباطل وتؤمنوا بمانح النعم، ومجريها وخالق الكون وكالئة، وحافظه.
ثم قال سبحانه:
(وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (١٦)
أي أن الجبال والسبل والأنهار تكون علامات للأماكن وحدودا، وتعريفا بأماكن البلاد، وحدودها شرقا وغربا، وقوله: (وَعَلامَات)، معطوفة على جبال، أي جعل الجبال والأنهار علامات.
(وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ)، أي أن النجوم ومواقعها في السماء، وتنقلاتها في مداراتها علامات للسائر فعلا، وكان العرب على علم واقعي بمواقع النجوم ينتفعون بها في أسفارهم، وقد أكد سبحانه اهتداءهم بالنجم بتقديم النجم، وإن ذلك أصل لعلم الفلك هدى اللَّه تعالى إليه.
والتفت سبحانه وتعالى من الخطاب إلى الغيبة؛ لأن اللَّه يخاطب الناس بالنعم عليهم، وقد ذكر هذه النعم، وهي تعم الجميع، وتثبت للجميع، أما النجوم فمع عموم نفعها وهديها لَا يهتدي بها إلا السائرون في ظلمة الليل البهيم.
وفى الخطاب تذكير بالإنعام الدائم المثمر، وفي الحديث بالغيبة تقرير للحقائق الثابتة المستقرة ولو كان النفع الحسي فيها لبعض دون بعض.
* * *