ولو كان نباتا، فكيف يقال عما لَا تدخله ابتداء ميتا، ولكن لأنها جماد لَا يتحرك بالإرادة، ولا تجري فيه حركة عبر عنه بميت، وقوله: (غَيْرُ أَحْيَاء) يشير إلى هذا المعنى، أي أنه جماد لَا تجري فيه الحياة قط.
وقوله تعالى: (وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) الضمير عائد إلى الأوثان، وأعيد الضمير المذكر العاقل، جريا على عدها آلهة تدرك وتعقل في زعمهم، ويزدلفون إليها، ويتقربون ويدعون.
والمعنى على هذا أن هذه الأوثان يعبدونها، رجاء خير منها، وهي لَا تشعر متى تبعث أو في أي مكان تبعث.
وهذا يقتضي أن ما يعبد يكون عنده قدرة على الجزاء بالثواب على العبادة، والعقاب على تركها، وهذه لَا تشعر متى تبعث وتجازى بالخير أو الشر.
ويصح أن يكون الضمير عائدا على الذين يدعونها أي يعبدونها، أي ما يشعر أولئك العباد أيان يبعثون، مع أن البعث آتٍ لَا محالة، وهم ينكرون البعث، ولذلك دعوا الحجارة وآمنوا بها، فالكفر بالبعث هو الضلال المبين وهو الذي أدى إلى هذه الأنواع المتكاثرة من أنواع الضلال المختلفة، ويجب أن نذكر تفسيرًا آخر له وجاهته، وهو أن الموت ليس في هذه الآية وصفا للأحجار إنما هو وصف لمن يدعونها ويعبدونها، فالمشرك ميت غير حي؛ إذ إن حياته لَا نفع فيها له، فهو كالميت؛ ولذا كان التصريح بأنه غير حي، وقد عبر القرآن عن المشرك بأنه ميت وعمن يخرج من الشرك إلى الإيمان بأنه حي، كما قال تعالى: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٢٢).
فسمى اللَّه تعالى المشرك ميتا، وبذلك يكون الشرك موتا والمشركون أمواتا غير أحياء، ويكون قوله: (وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) ظاهرا في العودة على المشركين، واللَّه أعلم.