ومن كان من طبيعته الإنكار والاستكبار، فإنه تنغلق في قلبه مفاتيح الهداية.
و (الفاء) في قوله: (فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ)، فاء الإفصاح، والمعنى إذا كان اللَّه واحد فلماذا يكفرون؟ فأجيب بأنهم يكفرون بالآخرة.
وأساس الإيمان هو الإيمان بالغيب، فالذين لَا يؤمنون إلا بالمحسوس، لا يؤمنون باللَّه ولا الملائكة ولا بالرسالة الإلهية، ولذا ذكر سبحانه أن أولى صفات المؤمنين بالغيب، فقال تعالى: (الَّذِينَ يُؤْمِنونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقونَ).
ولقد ذكر سبحانه وتعالى سعة علمه سبحانه فقال:
(لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (٢٣)
في الآية السابقة بين سبحانه أن الذين لَا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة، وهم مستكبرون فمظهرهم إثم ومخبرهم نكران وجحود، وهنا يبين سبحانه وتعالى أنه يعلم باطنهم الذي تنبعث منه أعمالهم ومظاهرهم: (لا جَرَمَ أَن اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنونَ) فلا تخفى عليه خافية من أمورهم، وهو مجازيهم بها يوم القيامة الذي أنكروه، وكاشف أمرهم الذي ستروه، (لا جَرَمَ) ذكر الزمخشري أن معناها (حقا) فهي لتأكيد علم اللَّه تعالى بما يسرون وما يعلنون أي ما يخفونه، ولا ينطقون به، وما يظهرون ويجهرون به من معاص تدل على مقدار عنتهم، ومجابهتهم الحق.
ونقول: إن لَا جرم فيها معنى (حقا) فيها رد لهم؛ لأن معنى جرم كسب و (اللام) تدل على النفي، فالمعنى لَا كسب لهم، ولا ثمرة لأعمالهم المكتومة والظاهرة، ويكون المعنى لَا كسب لهم فيما يفعلون من إنكار القلوب، واستكبار النفوس، لأن اللَّه تعالى يعاقبهم بما أسروا وبما أعلنوا، (... وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ...)، واللَّه أعلم.