وإن (مَا يُسِرّونَ) لَا يقتصر على إنكار القلوب بل يشمل ذلك وكل ما يبيتون وما يدبرون من شر، وما يمكرون من مكر يقصدون به إيذاء النبي - ﷺ -، (وَمَا يُعْلِنُونَ) يشمل المجاهرة بالعصيان، والمعاندة والإصرار على الباطل ومعاندة الحق وأهله لما يشمل قتال المؤمنين وإرادة الذلة لهم، والله يريد العزة للمؤمنين.
وختم الله تعالى الآية بقوله: (إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ)، وهي يشير إلى عذاب الله تعالى لهم، وأن هذا الإنكار من الاستكبار، وذلك لأنَّ النفس المستكبرة متعالية عن الناس وعن الحق، ومع الخضوع والتواضع يكون الإيمان؛ لأنَّ التواضع من غير صفة يكون معه اتساع القلب للحق فيدخله، ومعنى عدم حب الله تعالى أنه لَا يكون دانيا منه تريبا إليه، بل لأنه استكبر بعيد عن الله تعالى، وكلما بعد عن اللَّه تعالى لم يشعر بجلاله ولا يذكره، ولا يطمئن قلبه.
وإنه يترتب على عدم حب اللَّه تعالى للمستكبرين، ألا يغفر لهم؛ لأنهم لا يتوبون، والتوبة باب المغفرة؛ لأنَّ التوبة تدلل على الرجوع إليه سبحانه، والضراعة إلى الله تعالى، والتوسل إليه سبحانه وتعالى، والكبر والتوبة نقيضان لَا يجتمعان في قلب مؤمن.
ولأنهم يستكبرون عن الحق لَا يدركونه، ولا يريدونه؛ ولذا قال الله تعالى فيهم:
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٤)
أي أنهم لَا يرون في القرآن إلا قصصا، ولا في قصصه إلا أنه أسطورة من أساطير الأولين، وذلك لاستكبارهم عن أن يفتحوا صدورهم وعقولهم لإدراك ما اشتمل عليه من أحكام، وما فيه أن أساليب البيان التي يعجزون عن أن يأتوا بمثلها، إن استكبارهم يمنعهم من الاتجاه إلى الحقائق ليدركوها، وإذا أدركوها خضعوا لها.


الصفحة التالية
Icon