ويصح أن نقول إن قائل هذا القول ليس من المشركين، إنما هو من الوافدين إلى مكة في موسم الحج، والرد من المقتسمين الذين اقتسموا مداخل مكة ليصدوا الناس عن سبيل الله تعالى، ويضلوا الذين يدعوهم النبي - ﷺ - عندما أخذ يعرض نفسه على القبائل الوافدة إلى الحج، وقد دعاهم النبي - ﷺ - إلى القرآن الذي أنزله رب العالمين، لقد سأل أولئك البادون الذين جاءوا من خارج مكة عن القرآن (مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ) فضللوهم وقالوا أساطير الأولين وبذلك صدوهم عن الإيمان الذي كان يمكن أن يدخل قلوبهم لولا هذه المبادرة المضلة.
وإني أميل إلى الأخير وأرى الفاعل المحذوف يحتملهما جميعا، وربما تكرر السؤال، وتكرر الجواب، وهنا إشارة إلى أن القرآن أنزل من اللَّه وعبر بالرب، للإشارة إلى أنه أنزل من ربهم الذي أنشاهم ورباهم، ويعلم ما فيه صلاح أمرهم في دنياهم وعاقبة أمرهم.
وإن الذين قالوا هذا القول مضلين صادين عن سبيل اللَّه تعالى أيا كان السائل لهم الذي أجابوه، قد ضلوا في ذات أنفسهم، وأضلوا غيرهم؛ ولذا يتحملون وزرهم كاملا ويتحملون منِ أوزار الذين أضلوهم بغيرِ علم، فقال تعالى:
(لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (٢٥) اللام لام التعليل، وتكون العلة هي قولهم أساطير الأولين، أي قالوا ذلك ليحملوا أوزارا، والظاهر أن اللام لام العاقبة، وهو ما نراه، أي قالوا ما قالوا وصدوا عن سبيل اللَّه لتكون العاقبة أن يحملوا أوزارهم كاملة وأوزارا من أوزار من ضلوهم ".
والوزر: الحمل الثقيل، وفيه إشارة إلى أنه حمل ثقيل كله أوزار وآثام كما قال تعالى: (وَلَيَحْملُنً أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ...)، وقوله تعالى: (يَوْمَ الْقِيَامَةِ) فيه إشارة إلى أن هذه الأوزار مآلها عذاب دائم أليم؛ لأن


الصفحة التالية
Icon