القيامة دار الجزاء ويحملون جزاء أوزارهم كاملة غير منقوصة في شيء من النقص، وعبر عن الجزاء بحمل الأوزار للإشارة إلى المساواة بين العقاب والفعل، حتى كان الذي يحمل الوزر يحمل جزاءه؛ لأنهما متلازمان ومتساويان.
وقد ذكر سبحانه أنهم يحملون وزرهم كاملا يوم القيامة، ويحملون من أوزار الذين يضلونهم، ولذا قال تعالى: (وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) وقوله تعالى: (بِغَيْرِ عِلْمٍ) لتحقيق معنى الإضلال؛ لأن الإضلال عادة يكون لمن لا يعلم، وقالوا: إن قوله تعالى: (بِغَيْرِ عِلْمٍ) حال من المفعول في قوله تعالى: (يُضِلُّونَهُمْ)، أي أن ذلك لَا يكون إلا بغير علم، وذلك يزيد في جرمهم جرما، لأنهم لَا يكتفون بضلال، بل يتعدون به، فيضلون غير العالمين بحقيقة الدعوة المحمدية، فيذكرون ضلالهم فيها، ولا يذكرون حقيقتها.
وقال سبحانه: (وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) " ومن " هنا بمعنى بعض، فلا يحملون كل أوزار المضلَّلين، بل يحملون بعضه، ويبقى وزر شركهم، ذلك لأنهم باستجابتهم لهم من غير تبين وتعرف، قد وزروا في ذات أنفسهم، إذ أنهم كان عليهم أن يبحثوا ويتعرفوا الحق، وقد بُلغوه، وعلموا بأمره، فما كان لهم أن يكتفوا بكلام أعداء محمد - ﷺ -، بل كان عليهم أن يتعرفوا الحق من مصدره، وألا يكتفوا بالمعرفة من خصومه، وإن الإضلال يتضمن أمرين: أحدهما إيجابي، وهو المضل، والثاني استجابة المضلَّل، فبهذه الاستجابة يحاسبون.
وإن هذه الأوزار التي حملها المحلون كاملة لأنفسهم، وحملوا معها بعض أوزار الذين أضلوهم هي أسوأ ما يمحل الضالون والمضلون لأنها عذاب أليم، ولذا نبه سبحانه إلى عظم هذه الأوزار فقال تعالى: (أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ) و (أَلَا) أداة تنبيه لبيان أن هذا الحكم الذي يليها ثابت ثبوتا مؤكدا و (سَاءَ) فيها معنى التعجب، ومعناها ما أسوأ ما يحملون من أوزار؛ لأنها عذاب مقرر ثابت، وعبر عن هذا العذاب بقوله تعالى: (مَا يَزِرونَ) لما في الوزر والعذاب من توافق كامل، وتساو بينهما على ما بينا، واللَّه تعالى أعلم.
* * *


الصفحة التالية
Icon