السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ) وإن هذا الكلام فيه استعارة تمثيلية إذ شبه اللَّه تعالى حالهم بحال من بنوا صرحًا وشيدوه، وأقاموا قواعده على عمد وأسطوانات، وأحكموا بنيانه حاسبين أنه يبقى على مدى الأزمان، ولكن أتى اللَّه تعالى بنيانهم بأمره من قواعدها، فتداعت وانهارت فصارت هباءً منبثًا، فخر عليهم السقف من فوقهم، وماتوا تحت أنقاضه، وبذلك كان ما بنوه للحياة ومتعها، وتدبير الأمور للحق صار عليهم وبالا، وسببا لهلاكهم وأتاهم العذاب به؛ ولذا قال تعالى: (وَأَتَاهُم الْعَذَابُ مِنْ حيْثُ لَا يَشْعُرُونَ)، أي أتاهم من المكان الذي يشعرون أن فيه مأمنهم فكان فيه مهلكهم وفناؤهم.
وهذا يذكر المشركين في عصر النبي - ﷺ - بأن ما يدبرونه ضد النبي - ﷺ - من تدبير يريدون به إخفاقهم لهم سيكون من عوامل نصره، وإن اللَّه محيط بهم، وبما يدبرون.
وإن هذا عذاب الدنيا للمشركين، وقد تبين في عاد وثمود، ومدين، وفرعون وملئه، ثم يوم القيامة يكون الخزي والجزاء؛ ولذا قال تعالى:
(ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (٢٧) (ثُمَّ) هنا في معناها، وهو الترتيب والتراخي، وهو هنا بمعنى الإمهال من غير إهمال، وذلك يطوي في نفسه التهديد والإنذار وهو في ذاته وعيد بالخزي يوم القيامة، وقوله تعالى: (يُخْزِيهِمْ) بإسناد الفعل إلى اللَّه تعالى فيه تعظيم لذلك الخزي، وذلك الخزي يشمل فضيحتهم على الأشهاد، لتذهب الكبرياء الآثمة، وتشمل الذل بعد الاستكبار، وتشمل العذاب؛ لأن العذاب خزي في ذاته، كما قال تعالى: (رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)، وقد كان من إخزاء اللَّه لهم أن كشف حالهم مع الأوثان التي أشركوها في العبادة مع اللَّه تعالى، وأنها لَا شيء وأنها تهرب منهم، ولا تجد لها مهربا؛ ولذا قال لهم: (أَيْنَ شُركَائِيَ الَّذِينَ كنتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ).