المستأصل، كما نزل بقوم لوط، وعاد وثمود، وفرعون، وقد ذكر أنه فعل ذلك بالذين من قبلهم وأنهم طلبوه فأجيبوا، فقال: (كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ) أنهم استهانوا، وكابروا، ولجوا في إنكارهم، وطلبوا استعجال أمر اللَّه فيهم فعجل، ولكنه لم يفعل ذلك مع أمة محمد - ﷺ -، فهو لم يرسل لجيل يستأصله إذا لم يؤمن، بل أرسل للأجيال كلها فإذا كفر جيل، كان رجاء الإيمان في جيل يليه، كما قال - ﷺ - في قومه - وقد آذوه -، وبين اللَّه تعالى على لسان الملائكة أنه ينزل بهم ما يريد، فقال خاتم النبيين: " إني لأرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله " (١).
وقوله: (هَلْ يَنظُرُونَ) الاستفهام فيه للإنكار، وهو وصف لحالهم في كفرهم بالآيات، أي حالهم أنهم لَا ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتيهم أمر الله. وقد بين اللَّه أن أمره نزل بمن سبقوهم مثل قوم نوح، وعاد وثمود، وأصحاب الأيكة، وفرعون ذي الأوتاد أن ذلك لم يكن ظلمًا من اللَّه لهم، بل كان ظلما من أنفسهم لأنفسهم، فقال عز من قائل:
(وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).
إن المذنب إذا نزل به عقاب ذنبه لَا يقال إن من أنزل به العقاب هو الذي ظلم، إنما الظالم هو من ارتكب سبب العقاب فهؤلاء بارتكابهم سبب العذاب الذي جاء بأمر الله ظلموا أنفسهم، وهنا أمران بيانيان نشير إليهما:
الأمر الأول - التعبير بـ (كَانُوا) فهو دال على استمرارهم في أسباب ظلم أنفسهم من إنكار وجحود ومكابرة.
الأمر الثاني - تقديم كلمة (أَنفُسَهُمْ)، على (يَظْلِمُونَ) للإشارة إلى أن مما ارتكبوا من آثام كان يقع على أنفسهم، لَا على غيرهم وللاهتمام والتخصيص.
________
(١) متفق عليه وقد سبق تخريجه.