(... بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا)، فمن كانت حاله كذلك، وهو في هذا متساوق مع الفطرة فإن اللَّه يهديه، ويجعله يتم الصراط التي ابتدأ السير فيها.
وأما من حقت عليه الضلالة، أي ثبتت وتأكدت، فهو الذي لَا يتفكر ولا يتدبر لغواش غشيت قلبه من حب الدنيا وجاهها، وسلطانها، وسيطر على عقله التقليد، والعناد والاستكبار، وبذلك تفسد فطرته التي فطر الناس عليها، ولذا حقت عليهم الضلالة.
وإن أولئك أنزل اللَّه تعالى بهم الدمار في الدنيا، وصاروا عبرة للمعتبرين؛ ولذا قال تعالى: (فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ).
(الفاء) الأولى دالة على الإفصاح عن شرط مقدر، أو كلام مقدر تقديره فنزل بهم الدمار والهلاك (فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ)، فستجدون الآثار لمن أهلكهم اللَّه، (فَانطرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة الْمُكَذِبِينَ)، أي انظر الحال التي آل إليها أمرهم بسبب تكذيبهم؛ ولذلك أظهر في موضع الإضمار للدلالة على أن ما أصابهم سببه التكذيب، واللَّه سبحانه وتعالى أعلم.
كان النبي - ﷺ - حريصا على أن يهتدي قومه، لرأفته بهم ولرغبته في مصلحتهم، ولأنه يرى إيمانهم من كمال تبليغ رسالته، ويخشى أن يكون قد قصر في التبليغ إن لم يؤمنوا، ولأنه - كصاحب كل دعوة - يريد للناس أن يتبعوها في غير عوجاء ولا اعوجاج، ولكن الهداية ليست بيده، إنما هي بيد اللَّه؛ ولذا قال تعالى:
(إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (٣٧)
الخطاب للنبي - ﷺ - الذي كان حريصا على هداية قومه، والحرص هو الرغبة الشديدة في أمر من الأمور، وقد كان النبي - ﷺ - راغبا في هداية قومه، والضمير في (هُدَاهمْ) يعود على الذين قالوا: ما أشركنا نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء.