عن النبي - ﷺ - بأنه أسرى به من الحِجْر في المسجد (١)، وقيل إنه أسرى به من بيت أم هانئ بنت أبي طالب، ونحن نرى أن الأولى أن يكون ابتداء الإسراء من الحجر، لصحة الرواية ولأنها التي تتفق مع النص، لأن النص ذكر أنه من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ومكة وإن كانت حرما آمنا لأجل المسجد الحرام، فليست كلها الكعبة ولا المسجد الحرام.
والمسجد الأقصى هو بيت القدس، قيل إن الذي بناه يعقوب بن إسحاق عليهما السلام، ومهما يكن تاريخ بنائه فهو مسجد مقدس كما قال - ﷺ -: " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: البيت الحرام، ومسجد الأقصى، ومسجدي هذا " (٢).
وهو إحدى القبلتين - أولهما - اتجه إليه النبي - ﷺ - في مكة، فقد كان في صلاته يصلي متجها إليه غير مستدبر الكعبة، ولما هاجر استمر يتجه إلى بيت المقدس وحده نحو ستة عشر شهرا (٣).
وكان الإسراء قبل الهجرة بعام، وبعد موت أم المؤمنين خديجة، وعمه أبي طالب، وقد ذكرت في أول القول ما كان للإسراء من أثر نفسي في التسرية عن النبي - ﷺ -.
وقد ذكر اللَّه تعالى بعد المسجد الأقصى وصفا كريما له فقال: (بَارَكنَا حَوْلَهُ)، ففيه آثار النبيين من أولاد إسحاق - عليه السلام - وفيه كانت الإمامة الكبرى بأرواحهم، وقد قال الزمخشري في قوله تعالى: (بَارَكْنَا حَوْلَهُ) يريد سبحانه بركات الدين والدنيا، لأنه متعبد الأنبياء من وقت موسى، ومهبط الوحي، وهو محفوف بالأنهار الجارية والأشجار المثمرة، وكانت بركته أيضا في أنه إلى هذا الوقت كان قبلة المسلمين.
________
(١) عن أنَس بْنَ مَالِك يُحَدِّثُنَا عَنْ لَيْلَة أُسرِي بِالنبِي - ﷺ - مِنْ مَسجِدِ الْكَعْبَةِ.. الحديث. رواه البخاري: المناقب - تنام عينه (٣٠٥)
(٢) متفق عليه، وقد سبق تخريجه، ورواه بهذا اللفظ البخاري: الصوم - صوم يوم النحر (١٨٥٨) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(٣) متفق عليه، سبق تخريجه.