ونحن نرى أن الإسراء كان بالجسد في حال يقظة النبي - ﷺ - فلم يكن في منام:
أولا: لأن اللَّه تعالى قال: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا) والعبد جسد وروح.
وثانيا: أنه وصف لهم ما رأى وعاين.
وثالثا: أنهم ما كانوا يختلفون عليه لو كانت الرؤيا منامية.
وأما المعراج، فإن بعض العلماء قال: إنه بالروح دون الجسد، وقد قال في ذلك القرطبي: " قالت طائفة كان الإسراء بالجسد يقظة إلى بيت المقدس وإلى السماء بالروح، واحتجوا بقوله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِه لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَا) فجعل المسجد الأقصى غاية الإسراء " (١)، وإننا نميل إلى هذا الرأي، واللَّه أعلم.
وختم اللَّه سبحانه وتعالى آية الإسراء بقوله تعالى: (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الضمير يعود إلى اللَّه تعالى، وذكر (السمِيعُ الْبَصِيرُ) في هذا المقام للإشارة إلى أن اللَّه تعالى عليم علم من يسمع بما قيل لك من مشركي قريش وأهل الطائف، والعليم علم من يبصر بما رد به سفهاء ثقيف وما أوذيت به من أذى رق له قلب بعض المشركين، وهو تعالى مؤنسك في وحشتك وناصرك في وحدتك، فإذا فقدت النصير من أهل الدنيا والمواسي منهم فاللَّه معك، وهو أعز نصير وأَرحم بك.
تنبيهان:
أولهما: أن المشركين عندما كانوا يطلبون آيات حسية كانوا يريدون الإعنات لا الإقناع، فهذه الآية الحسية قد جاءتهم فزادوا خسرانا، جاءتهم في الإسراء وشق القمر، فزادوا كفرا فقالوا: سحر مستمر.
________
(١) الجامع لأحكام القرآن: ١٠/ ٢٠٤.