...............................
_________
= ومن سياق التاريخ ومناسبات الحوادث نرى أن الإسراء كان بعد انشقاق القمر.
وهنا قد يسأل السائل ما المناسبة لمسألة الإسراء والمعراج، وتعيين الله تعالى لزمانها، والله سبحانه وتعالى حكيم عليم، يضع الأمور بموازينها وفي أوقاتها، وأجلها المعلوم، ولنا أن نتعرف حكمة الله تعالى من غير أن نقطع بأن هذا هو مراد الله تعالى، فهو العليم الخبير الذي لَا تخفى عليه صغيرة أو كبيرة في السماء أو في الأرض.
ونجيب عن هذا التساؤل بما قررنا، وهو أن الله سبحانه وتعالى استجاب لنبيه صلى الله تعالى عليه وسلم في ضراعته بالدعاء الذي دعا ربه عقب خروجه من الطائف، شكا ضعف قوته فأمده الله تعالى بالقوة، وقلة الحيلة فأمده بحسن التدبير لدخول مكة آمنا مطمئنا، وأيده بآية حسية من نوع ما يطلبون، وإذا كانوا لم يستجيبوا لداعي الله تعالى، فلأن المعاند لَا يقنعه الدليل، ولو كان حسيا، فقالوا سحرنا، مع أن انشقاق القمر رأته الركبان في أسفارها، ثم كان من بعد ذلك الأنس بلقاء الله تعالى في المعراج، سواء أقلنا إن لقاءه باللَّه تعالى، كان بالروح في الرؤيا، أم كان بما هو أكثر من الرؤيا (السيرة العطرة للأستاذ عبد العزيز خير الدين، ونهاية الأرب جـ ١٦، ص ٢٨٣، ٢٨٤).
لقد أحس النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بالوحشة بعد وفاة الحبيبين خديجة العطوف، وأبي طالب الشفيق. فقال اللَّه تعالى له بالفعل أُنس اللَّه أكبر، ورحمته أعظم، وحياطته أكرم، وإن عنايته بك وبرسالتك هي التي ستبلغك أمرك، وتحقق لك شأوك، وتصل بك إلى غايتك، وهو المهيمن الرءوف الرحيم، لذلك كان الإسراء، ومن بعده عروجه إلى السماء.
والآن ننتقل إلى الآيات الكريمات التي صرحت بالإسراء، ثم كانت الإشارة الواضحة إلى المعراج قال اللَّه تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَا الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. ففي هذا النص الإسراء صريحا، وكانت الإشارة إلى المعراج بقوله تعالى: (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا).
وقال تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا)، فقد ذكر المفسرون أن الرؤيا هي المعراج.
وقال تعالىٍ في سورة النجم: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (١) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (٢) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (٥) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (٦) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (٧) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (٨) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (٩) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (١٠) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (١١) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (١٢) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (١٤) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (١٥) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (١٦) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (١٧) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (١٨).
ولقد قرر المفسرون أن هذه الآيات نزلت في المعراج، وإن ذلك لواضح، وإذا كانت العبارات السابقة لم تصرح بالعروج إلى السماوات العلا فإن الإشارات واضحة تكاد تكون تصريحا، والإشارات الواضحة في قوة الدلالة تكون كالألفاظ الصريحة.
وقد قال بعض علماء السيرة: إن الإسراء بالنبي صلى اللَّه تعالى عليه وسلم ابتدأ من شعب أبي طالب، وإن كان السند في ذلك صحيحا، فإنه يشير إلى أن أبا طالب قد مات، وأن مهمته قد انتهت، وأن اللَّه تعالى وهو الباقي الدائم. الأول والآخر والظاهر والباطن به تكون النصرة الدائمة المتجددة في الشدائد - ولكن الثابت في البخاري أنه ابتدأ من الحطيم بالمسجد الحرام (البداية والنهاية جـ ٣، ص ١١٠). =