..............................
_________
= (ب) إن العبارات القرآنية الواردة في المعراج تومئ بل تصرح بأن الأمر في هذه الرحلة السماوية كان روحيا وأن الإدراك لم يكن بالحس، بل كان بالقلب والفؤاد، فالله تعالى يقول: (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (١١) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (١٢)، فالحديث القرآني كله كان في إثبات رؤية الفؤاد، وأنه لَا تجوز المماراة فيما رأى الفؤاد الذي لَا يكذب، وذلك لَا يتحقق إلا بأن تكون الرؤية روحية؛ لأنَّ روية القلب لَا تكون إلا روحية، وإنه عندما ذكرت حاسة البصر ذكرت بالنفي، لَا بالإيجاب، وقد بينا مؤدى النفي في هذا.
(جـ) أن أخبار المعراج تصرح بأنه رأى ربه، والرؤية القلبية باستحضار عظمته، وبالسبحات الروحية المتجهة إلى اللَّه سبحانه وتعالى، وأن النبي صلى اللَّه تعالى عليه وسلم قد قرر أنه لم ير ربه في حديث أبي ذر الغفاري، فقد قال عليه الصلاة والسلام في إجابة سؤال الصحابي الجليل أبي ذر: " إنه نور، فأنى أراه ".
إننا لَا نتعرض في ذلك لكون رؤية اللَّه تعالى يوم القيامة ممكنة، أو غير ممكنة، فذلك يوم القيامة بعد البعث والنشور، وذهاب أهل الجنة إليها، وإبقاء أهل النار فيها، فإن الكلام فيها غير الكلام في الدنيا، ونحن نحس ونرى، فإن كانت رؤية اللَّه الآن فهي بالعين الفانية، ورؤية أهل الجنة عند من يثبتونها تكون بالعين الباقية، والله أعلم كيف يرى.
وننتهي من هذا إلى تقرير حقيقتين نراهما:
الأولى: أن الإسراء كان بالجسد والروح بظواهر النصوص المثبتة، ولا معارض لها.
الثانية: أن المعراج كان بالروح فقط لعدم وجود الأدلة المثبتة أنه كان بالجسد والروح من القرآن، ولوجود المعارض من النقل والفعل.
والآن نعود إلى قصة الإسراء والمعراج كما هي في الصحاح على أن نفسر الألفاظ على ضوء هاتين الحقيقتين اللتين قررناهما.
الإسراء والمعراج في صحاح السنة: كان من الممكن أن نقف بالنسبة للإسراء والمعراج عند هذا الذي قررناه، ولكن يجب أن نستأنس بالمنقول عن الرسول صلى اللَّه تعالى عليه وسلم على أساس أن كل ما ذكر في المعراج أنه بالروح.
وقد رويت روايات مختلفة تتعلق بواقعة الإسراء ثم العروج، نختار منها رواية البخاري.
روى البخاري بسنده عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَهُمْ عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِهِ: " بَيْنَمَا أَنَا فِي الحَطِيمِ، - وَرُبَّمَا قَالَ: فِي الحِجْرِ - مُضْطَجِعًا إِذْ أَتَانِي آتٍ، فَقَدَّ: قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: فَشَقَّ مَا بَيْنَ هَذِهِ إِلَى هَذِهِ - فَقُلْتُ لِلْجَارُودِ وَهُوَ إِلَى جَنْبِي: مَا يَعْنِي بِهِ؟ قَالَ: مِنْ ثُغْرَةِ نَحْرِهِ إِلَى شِعْرَتِهِ، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: مِنْ قَصِّهِ إِلَى شِعْرَتِهِ - فَاسْتَخْرَجَ قَلْبِي، ثُمَّ أُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءَةٍ إِيمَانًا، فَغُسِلَ قَلْبِي، ثُمَّ حُشِيَ ثُمَّ أُعِيدَ، ثُمَّ أُتِيتُ بِدَابَّةٍ دُونَ البَغْلِ، وَفَوْقَ الحِمَارِ أَبْيَضَ، - فَقَالَ لَهُ الجَارُودُ: هُوَ البُرَاقُ يَا أَبَا حَمْزَةَ؟ قَالَ أَنَسٌ: نَعَمْ - يَضَعُ خَطْوَهُ عِنْدَ أَقْصَى طَرْفِهِ، فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ، فَانْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ، فَقِيلَ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ فَفَتَحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا فِيهَا آدَمُ، فَقَالَ: هَذَا أَبُوكَ آدَمُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلاَمَ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ، فَاسْتَفْتَحَ قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ =


الصفحة التالية
Icon