بعد أن ذكر بيت المقدس ذكر موسى الذي أراد أن يدخل الأرض المقدسة فقعد بنو إسرائيل، وقالوا مقالة الجبن والنذالة: (قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (٢٤).
قال اللَّه تعالى:
(وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (٢)
إن الواو هنا عاطفة وعطفت (آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ) على (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَا) ويكون المعنى أكرم اللَّه محمدًا - ﷺ - بالإسراء والمعراج، وجعله حجة على الناس، إذ يكفرون با الآيات وقد طلبوها، وأكرم موسى بالكتاب أتاه فيه الشرائع، (وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا) أي كفيلا، أو ربًّا تكلون إليه أموركم، أو وليا ونصيرا.
وإن هنا على قراءة التاء (تَتَّخِذُوا) تفسيرية، أي هو ألا تتخذوا من دونه وليا، وهناك قراءة بالياء (يتخذوا) (١) وعلى هذه القراءة يكون المعنى جعلناه هدى لبني إسرائيل فلا يتخذوا من غير اللَّه وكيلا أي وليا وربًّا، كقوله تعالى: (وَلا يَأمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا).
وأنه بهذا العطف يتبين أن شرائع اللَّه متصلة وأن أنبياء اللَّه تعالى مكرمون، كما أن الإسراء جمع النبيين عند بيت المقدس فقد جمعهم الله تعالى في التكريم هذا بالكتاب والإسراء والمعراج، وذاك بالكتاب الذي كان هداية لبني إسرائيل ألا يتخذوا شريكا، ثم بين سبحانه وتعالى صلة الأنبياء من عهد نوح فقال: (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (٣)
________
(١) (ألا يتحذوا) بالياء غيبا: قراءة أبي عمرو، وقرأ الباقون بالتاء خطابا. غاية الاختصار: ٢/ ٥٤٤.