وقوله تعالى: (بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا) وعبر سبحانه بـ (بَعَثْنَا)، أي أنهم جاءوا إليهم كأنهم مبعوثون لهم مسلطون عليهم، وأسند سبحانه البعث إلى ذاته العلية؛ لأنه جاء على سنة الوجود التي سنها، ولن تجد لسنة اللَّه تبديلا، وهو أن الفساد يغري بالهجوم على الفاسدين، ولأن المغالبة الإنسانية تجعل القوي يأكل الضعيف ولا ضعف أكثر من استشراء الفساد فإنه يهدم كيانها ويعرضها للفناء، سنة اللَّه تعالى في الوجود.
وقال تعالى: (عِبَادًا لَّنَا) هنا إشارتان بيانيتان:
الإشارة الأولى: أنه عبر بـ (عباد) وذلك إشارة إلى أنهم خاضعون لإرادة اللَّه تعالى فيهم.
والإشارة الثانية: إضافتهم له سبحانه وتعالى بما يفيد الاختصاص، ومؤدى ذلك أن اللَّه جعلهم له لَا لأجل العبودية والطاعة، بل ليكونوا آلة تأديب وتهذيب لمن يخرجون عن الهداية ويقعون في الفساد، وهؤلاء الجبارون هم طُعْمة لغيرهم إذا فسدوا، وهكذا يتدافع الشر، ويدفعه أخيرًا الخير، (... وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (٢٥١).
ووصف سبحانه وتعالى أولئك العباد، بأنهم (أُوْلِي بَأسٍ)، الباس: القوة، و (شَدِيدٍ)، أي فيه بطش وعتو، ولا يرحمون أعداءهم وقد نزعت منهم النواحي الإنسانية العاطفة كالتتر في طغيانهم، وإذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة.
وإنهم في حروبهم لَا يقنعون بأماكن الجند ومعسكرات الحرب، بل يدخلون المدائن ويجوسون خلال دورها، ويتردون خلال هذه الدور، وفي ذلك إشارة إلى أنهم يقتلون النساء والذرية والضعفاء من العجزة فلا يعرفون قانونا مانعا، ولا نظاما حاجزا، إنما شهوتهم إلى الدماء والمجازر البشرية.
ولقد بين سبحانه وتعالى أن ذلك كان وعدا مفعولا، فقال سبحانه وتعالى: (وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعولًا)، أي كانت غارات هؤلاء الغلاظ الأشداء وعدا؛ لأنه