يلزمهما العمل الصالح لَا محالة، وقال تعالى (يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ) بالجمع لتنوعها وكثرتها فهي وإن ضبطها ضابط الصلاح مفترقة متنوعة، فالإصلاح بين الناس، والمعاملة الحسنة، والوفاء بالعهد، وغير ذلك من مكارم الأخلاق، والبعد عن ضلالها.
وذكر سبحانه أنه يبشر المؤمنين الصالحين ببشارتين:
البشارة الأولى: أجر كبير، ونكَّر الأجر لعظمه، ولتذهب النفس في تقديره مذاهب شتى، مع ملاحظة أنه أجر وثواب، ثم وصفه سبحانه وتعالى بالكبر الذي لا حد له.
البشارة الثانية: وهي قوله تعالى:
(وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٠)
وكيف تكون هذه بشارة لأهل الإيمان؟ الجواب عن ذلك أن البشارة بالنجاة منها، وأنهم لم يتردوا تردية الذين لَا يؤمنون بالآخرة، بل وقاهم اللَّه تعالى، وبذلك يتبين أن ذكر عذاب الذين لَا يؤمنون جاء تبعا لإيمان الذين آمنوا وعملوا الصالحات.
ونذكر هنا أمرين يتعلقان ببيان الذكر الحكيم:
الأمر الأول: قوله تعالى: (وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بالآخِرَة) معطوفة على قوله تعالى: (أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كبِيرًا) فالباء مقدرة في قوله: (وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ) أي وبأن الذين لَا يؤمنون، فالبشارة لأهل الإيمان ابتداء، وهي تتضمن الإيذاء للكافرين، فهي قد اشتملت على التبشير والإنذار، ويبدو أن ما سبق له القول هو التبشير، والإنذار جاء بالتضمن.
الأمر الثاني: أنه سبحانه وصف الكافرين بأنهم لَا يؤمنون بالآخرة، فلم يذكر شركهم وفسادهم وفتنتهم للمؤمنين مع أن هذه جرائم الكفر، والجواب عن ذلك أنه ذكر السبب، وذكر السبب ذكر للمسبب، ذلك أن كفر الكافرين وشركهم وعنادهم، وفتنتهم المؤمنين، وغوايتهم، سبب ذلك كله أنهم لَا يؤمنون بالبعث