والخلقي فيهما إلى النية المحتسبة، كما قال - ﷺ - في الحديث المتواتر المعنى: " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته لله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته لما هاجر إليه " (١).
ونتكلم في معنى يدعو، أهي من الدعاء، أم من الدعوة. فإذا كانت من الدعاء تكون بمعنى دعاء اللَّه بالشر كدعائه بالخير لَا يتروى فيه، ففي الخير المسارعة فيه خير؛ لأنها مبادرة إليه، والمسارعة إليه مطلوبة، لقوله تعالى (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ...)، وأما المسارعة بالدعاء إلى الشر فذلك ممقوت، كالدعوة على النفس بالهلاك عند الغضب، وكدعاء إنزال العذاب، كقول الله على لسان المشركين (... فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)، وقد قال تعالى لائما على ذلك، (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١).
هذا إذا كان يدعو من الدعاء، أما إذا قلنا إنها من الدعوة وتجيء بمعنى الدعاء فالمعنى أن الإنسان يدعو نفسه وغيره متلبسا بالشر، كدعوته إلى الخير، وإذا كانت الدعوة إلى الخير محمودة العاقبة في ذاتها لأنها خير مآلا، ولأنها مرئية في ذاتها فالدعوة المتلبسة بالشر تحتاج إلى تعرف عواقبها ونهايتها، والتروي والتدبر في دواعيها، وإذا فكر وتدبر لَا يفعل إلا ما يؤدي إلى النفع، ولكنه لَا يفعل، ولذلك قال تعالى بعد ذلك: (وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولًا) وذلك كقوله تعالى: (خُلِقَ الإِنسَان مِن عَجَلٍ...)، فهو في طبعه التعجل إلى الأمور، والعاقل من يتأنى ويتدبر ويصبر، ويدرس الأمور، فإذا كانت العجلة من غرائزه، فالإدراك يهذب هذه الغريزة، ويجعلها متناسقة مع مواهبه، وكذلك كل غريزة تشذب
________
(١) متفق عليه، سبق تخريجه.