النفس أحوالا، ولذلك يفيد تكريرها لها ملكات " (١)، أي أن الأعمال بتكررها تحدث نقوشا بهذه الأعمال فتكون كتابا يكشفه اللَّه، فتكون كتابا منشورا ظاهرا معلوما مكشوفا.
________
(١) تفسير البيضاوى: ج ٣/ ٤٣٥. وذكره من أئمة التفسير الآلوسي، وأبو السعود في تفسير الآية (١٤).
(اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (١٤)
مقول لقول محذوف، أي يقول اللَّه تعالى أو الملائكة المطهرون: اقرأ كتابك المسجل عليك، الذي هو صادر عن نفسك أو منقوش عليها، فإنه دليل لك أو عليك، ففيه حسناتك وفيه سيئاتك، وحاسب نفسك بمقتضى هذا الكتاب الذي هو صورة منها، قد حفظت وبقيت حتى ظهرت، " كتابا منشورا " أي معروفا، وإنه يكفي حساب نفسك؛ فإنها وحدها كاشفة، وقوله تعالى: (كَفَى بِنَفْسكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا)، أي كفى بنفسك حسيبا عليك يحصي عليك ما عملت إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، وحسيبا؛ تتضمن الإحصاء والحساب والرقابة، فضميرك شاهد عليك، ونفسك بما نقش عليها وحفظ أقوى برهان على عملك، واللَّه بعد ذلك يتولى الجزاء، مع قيام الدليل من نفسك أنت.
وقد بين بعد ذلك أن الجزاء من جنس العمل، فقال:
(مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (١٥)
حقائق تؤكدها هذه الآية الكريمة: الحقيقة الأولى: أن الإنسان في الأعمال الدنيوية إن اهتدى فهدايته عائدة بالخير عليه، وإن ضل فضلاله مغبته عليه.
الحقيقة الثانية: أن الإنسان ليس له إلا ما سعى، فوزره هو الذي يتحمله، ولا يتحمل وزر غيره. الحقيقة الثالثة: أنه لَا عذاب إلا بعد الإنذار، (... وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِير).


الصفحة التالية
Icon