وكفروا بهم وبأمر ربهم، وذكرت الأجيال من بعد نوح؛ لأن نوحا الأب الثاني بعد آدم عليهما السلام، كما قال تعالى: (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (٣).
ولقد أهلكهم على علم بحالهم، واستحقاقهم للهلاك، ولذا قال تعالى: (وَكفَى بِرَبِّكَ بِذنُوب عبَاده خَبيرًا بَصِيرًا) الباء في (بِرَبِّكَ) لتأكيد كفاية علم اللَّه
تعالى كقوله تعالى (... وَكفَى بِاللَّه شًهِيدًا)، والباء في قوله تعالى: (بِذنوبِ) متعلقة بقوله تعالى: (خَبِيرًا بَصِيرًا) وقدمت هي ومجرورها على خبيرا بصيرا، لكمال العناية، وللإشارة إلى أن العلم بالذنوب كان دقيقا مبصرا، وذلك لبيان أنه لَا ظلم، (... وَمَا ظَلَمَهُم اللَّهُ وَلَكِن كانُوا أَنفسَهُمْ يَظْلِمُونَ). والخبرة: العلم الدقيق الذي لَا يغيب، وهو علم واضح بيِّن عنده، كالعلم بالأشياء المبصرة عند الناس، وللَّه المثل الأعلى في السماوات والأرض.
وإن اللَّه تعالى هو المعطي الوهاب يعطي عباده ما يريدون من حظوظ الدنيا والآخرة، ولذا قال سبحانه:
(مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (١٨)
(كانَ) هنا للدلالة على الرغبة المستمرة، والإرادة الدائمة ما دام على قيد الحياة، والعاجلة وصف للدنيا أي الدنيا العاجلة ومتعها، وجعلها غايته، ومرمى همته، ومطرح نظره، ولم يكن له هَمٌّ سواها، وذكر الوصف دون الموصوف للإشارة إلى سبب الرغبة، وهو كونها قريبة دانية، فصاحب هذه الإرادة لَا يريد إلا المنافع العاجلة، وإن كانت زائلة، ولا يريد المنافع الآجلة، وإن كانت هي الباقية، وقد كان جواب الشرط (عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ)، وفي الكلام جناس بين (عاجلة)، و (عجلنا)، وإنه يتلهف للعاجلة، فيشبع اللَّه تعالى نهمته


الصفحة التالية
Icon