بالتعجيل بما أراد، ولكنه سبحانه يُستتر خلقه بحكمة؛ فهو يعطي بحكمة، ويمنع لحكمة، ولذا لم يقل سبحانه إنه يعطيهم من العاجلة بما يشاءون، ولا أنه يعطي الجميع، بل يعطي من يريد تسجيلا لمشيئته ولحكمته، وتثبيتا لإرادته واختياره، ولذا قال (عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ)، فقيد العطاء بمشيئته، بالنسبة للعطاء فقد يعطي هذا المال، ولا يعطيه الصحة، وقد يعطيه السلطان، ولا يعطيه العزة، وقد يعطي هذا الجاه، ولا يعطيه إلا الذل والهوان، والعيش الدون في ذلة، وفي الجملة يعطي العاجلة، ولكن ليست كلها، ولا يعطي العاجلة كل من يريدها بل يعطيها من اتخذ أسبابها، ولم يتنكب طريقه فيجتمع له مع كفره ذل الدنيا وعذاب الآخرة.
فيعطي طالب الدنيا هذا، وينال ما يشاء اللَّه وبعض كما يتمناه، وهو في الآخرة ينال الحسرة والعذاب، ولذا قال تعالى: (ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمومَا مَّدْحُورًا)، أي جعلنا له ومن اختصاصه بشكل دائم جهنم يتخذها مثوى دائما ومستقرا، ويصلى نارها، ويقال له (ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِير الْكَرِيمُ)، حال كونه (مَذْمُومًا) لَا يمدح أبدا، و (مَّدْحُورًا)، أي مطرودا من رحمة اللَّه، ورضاه فلا ينظر الله إليهم، ولا يكلمهم..
هذا من أراد الدنيا، ومن أراد الآخرة قال تعالى فيه:
(وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (١٩)
من أراد الآخرة، وكان التعبير بالآخرة في مقابل التعبير بالعاجلة لفرق ما بين الاثنين؛ ذلك يريد أمرا عاجلا لَا يصبر ولا يضبط نفسه، وهذا يريد الآخر، ولو كان مؤجلا، فينال فضيلة الصبر والعمل، ويترقب الآجل ترقب المدرك العامل.
ولم يكتف بالترقب والانتظار، بل سعى لها سعيِها، أي عمل لها العمل المقرب لنعيمها والمبعد عن جحيمها، وفي التعبير بـ (وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا)، إشارة


الصفحة التالية
Icon