الذي لَا ينقطع، (وَمَا كانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا)، أي ممنوعا؛ لأنه ليس فوقه أحد يمنعه، وهو مُعْطٍ لَا يمنع، ولكن يجازي كلا بجزائه، فإن شكر كان له النعيم المقيم، وإن كفر بنعمته وأنكرها فإن له عذاب الجحيم.
ونرى من هذا أن اللَّه تعالى فضل بعض الناس بما سلكوا من سبل الخير، وعاقب بعض الناس بما سلكوا من الشر، وكيف من طلب العاجلة أخذ منها بما يشاء ولمن يشاء، ومن طلب الآخرة زاده في حرثه إن قصد الآخرة، وسعى لها وآمن، ولذا قال سبحانه وتعالى بعد ذلك:
(انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (٢١)
أمر من اللَّه تعالى بأن ننظر نظرة تأمل في الحال التي فضل فيها بعض الناس على بعض في الرزق والمال، وأن اللَّه سبحانه يعطي في الدنيا كلا على حسب رغبته مع أن مشيئة اللَّه فوق هذه الرغبة، وأنه بهذا التمكين الرباني يكون من أعطاهم أفضل حالا من غيرهم فيكون من الناس الأغنياء والفقراء، ويفضل بعضهم على بعض في الرزق من غير أن يتبع تفضيل في الشرف أمر أو أية تفرقة طبقية، فالناس عند اللَّه سواء وأمام شرعه سواء، ولا فضل لغني على فقير، (فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ...).
وإن ذلك الذي أشار إليه في الدنيا فقط، أما في الآخرة فطالبوها (أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا) والمعنى أن الذين أرادوا حرث الآخرة، فقصدوها مخلصين، وسعوا لها سعيها مؤمنين أكبر درجات أي أعلى وأسبق وهم في درجات عليا، وكلمة درجات لَا تكون إلا في العلو والشرف الرباني، وكذلك كان التعبير في قوله تعالى: (.. نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا...)، أي في الحياة الآخرة.
وقال (أَكْبَرُ تَفْضِيلًا) أفعل التفضيل ليس على بابه فلا موازنة في كثرة الفضل، بل المراد أنهم يلقون من الفضل كثرة ليس وراءه فضل لمستزيد، ونفينا