وشكا رجل إلى رسول اللَّه - ﷺ - أباه وأنه يأخذ ماله فدعا به، فإذا شيخ يتوكأ على عصا، فسأله فقال: إنه كان ضعيفا وأنا قوي، وفقيرا وأنا غني فكنت لَا أمنعه شيئا من مالي، واليوم أنا ضعيف وهو قوي، وأنا فقير وهو غني، ويبخلُ عليَّ بماله، فبكى رسول اللَّه - ﷺ -، وقال: " ما من حجر ولا مدر يسمع هذا إلا بكى "، ثم قال للولد: " أنت ومالك لأبيك، أنت ومالك لأبيك " (١)، وشكا إليه آخر سوء خلق أمه فقال - ﷺ -: " لم تكن سيئة الخلق حيث حملتك تسعة أشهر "، قال: إنها سيئة الخلق، قال الرسول الكريم: " لم تكن كذلك حتى أرضعتك حولين "، قال: إنها سيئة الخلق، قال - ﷺ -: " لم تكن كذلك حين سهرت لك ليلها، وأظمأت نهارها "، قال: لقد جازيتها. قال: " ما فعلت؟ "، قال: حججت بها على عاتقي، قال - ﷺ -: " ما جزيتها ". انتهى كلام الزمخشري في الكشاف.
وقال - ﷺ -: " إياكم وعقوق الوالدين، فإن الجنة توجد ريحها مسيرة ألف عام، ولا يجد ريحها، لَا عاق ولا قاطع وحم ولا شيخ زانٍ، ولا جار إزاره... " (٢).
وأن بر الأبوين أمر مستتر خفي يظهر في العمل، فهو إخلاص وفاء وإيمان بالحق، ووفاء وإكرام، وهو دليل على صلاح النفوس، وقد قال تعالى:
________
(١) رواه ابن ماجه: التجارات - ما للرجل من مال ولده (٢٢٨٢)، كما رواه أحمد: مسند المكثرين - مسند عبد الله بن عمرو بن العاص (٦٦٠٨).
(٢) كنز العمل (٤٤٠٠٠) - ج ١/ ٣٢٩٥.
(رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (٢٥) إن اللَّه سبحانه وتعالى نهى عن أمور، نهى عن التضجر، وعن النهي لهما عن أي عمل، وأمر بأن يقول لهما قولا كريما وربما يكون فيهما المسيء وربما يكون منهما الظالم، فبين اللَّه سبحانه في هذا المقام وغيره مما يشابهه، فقال سبحانه وتعالى: إن الاعتماد على النفوس، وصلاحها، واللَّه تعالى يغفر هنات الأفعال،