التخريج الثاني: أن يكون قوله تعالى: (ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا) متعلقا بجواب الشرط، أي فقل لهم قولا ميسورا طلبا لرحمة من ربك ترجوها، برجاء يسر بعد عسر، أو لأن الجواب الجميل عند الإعراض فيه رحمة بهم لَا تقل عن رحمة العطاء.
والتخريج الثالت: أن يكون قوله تعالى (ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ من رَّبِّكَ تَرْجُوهَا) متعلقا بالشرط لَا بالجواب، على أن يكون المعنى هكذا: إما تعرضن عنهم لفقد القدرة على العطاء مع رجاء رزق هو رحمة من ربك ترجوها، لتعطيهم عند تحقيق الرجاء وهذا هو أقربها؛ إذ مؤداها أنك ترجو رزقا، وقد طلب منك العطاء في وقت لَا مال معك، فلا تردهم ردا قاطعا مانعا، رجاء الرزق.
وجواب الشرط (فَقُل لَّهُمْ قَوْلًا مَّيْسُورًا)، أي قولا سهلا لينا من غير جفوة، بل في عطف يدنيهم ولا يبعدهم، والميسور بوصف اسم المفعول من يُسر، بالبناء للمجهول كُسعَدَ في قوله: (وَأَمَّا الَّذِين سُعِدُوا ففِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا...)، وَالقول الميسور لَا يكون فيه قطع عن العطاء بل فيه رجاء لهم، كقوله يسر اللَّه لي ولكم، أو أعطاني اللَّه وأعطاكم.
وبعد أن نهى سبحانه عن التبذير، وأمر بالعطاء أمر بالاعتدال فقال:
(وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (٢٩)
معنى النهي في قوله تعالى: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ)، نهى عن البخل بأبلغ تعبير، وفيه استعارة، وهو تشبيه البخيل بمن شد يده بغل من حديد إلى عنقه، فلا تمتد بعطاء قط، ولا تستطيع سد حاجة معوز، ولا إمداد مستغيث بقوت، والجامع في التشبيه هو عدم العطاء؛ لأن البخيل غله بخله فلم يعط، والمشدود شدت يده فلا تتحرك، والبخل يؤدي إلى الذم من الناس.
وقوله تعالى: (وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ) ومعنى بسط اليد فتحها بحيث لا تقبض شيئا يستولي على ما فيها من يستحق ومن لَا يستحق فلا ينضبط عطاؤه،