يمنعون النسل، أو يحددونه، أو يضبطونه، أو ينظمونه، أو غير ذلك من العبارات المقلدة التي يدعون إليها المسلمين ولا يدعون إليها النصارى واليهود. روي في الصحيحين عن عبد اللَّه بن مسعود: " قلت يا رسول اللَّه: أي الذنب أعظم قال: " أن تجعل لله ندا وهو خلقك "، قلت: ثم أي؟ قال: " أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك "، قلت: ثم أي؟ قال: " أن تزاني بحليلة جارك " (١).
وقد قال تعالى: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (٩).
قالوا إن في الآية نهى عن القتل، وضبط النسل أو تحديده أو تنظيمه، هو بمنع الحمل، لَا بالقتل بعد أن يولد حيا، ونقول في الجواب عن ذلك إن ذلك وأد، لأن النبي - ﷺ - في آخر أخبار العزل: " العزل هو الوأد الخفي " (٢) ومهما يكن فإنه محاربة لإرادة اللَّه وتحد؛ لأن اللَّه هو الرزاق، ومعاندة لصريح الآية (نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ).
ولقد رخص الإمام الغزالي في العزل لأسباب كثيرة، ولكنه قرر أمرين:
الأمر الأول: أنه لَا يجوز العزل لحال الخوف والفقر؛ لأن ذلك يكون مصادمة صريحة للنص القرآني، وإن الأرض لم تضق بسكانها، فلم ينل من خيرات إلا بعضها القليل، وأرض المسلمين واسعة.
الأمر الثاني: أن العزل في أي حال رخص فيها مما لَا ينبغي أي أنه لَا ينبغي بالجزء فلا يجوز بالكل، واللَّه أعلم. بعد النهي عن قتل الأولاد رجاء ما يؤدي إلى قتل الأولاد أو ضياعها أو فيه بشكل عام إضعاف للنسل فقال تعالى:
________
(١) متفق عليه، رواه بنحو من ذلك البخاري: البخاري: تفسير القرآن - قوله تعالى: (فلا تجعلوا لله أندادا) (٤١١٧)، كما رواه في خمسة مواضع أخرى بالفاظ متقاربة، ومسلم: الإيمان - كون الشرك أعظم الذنوب (١٢٤)، (١٢٥). عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(٢) سبق تخريجه.
(وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (٣٢)


الصفحة التالية
Icon