إدارتهم، كما قال تعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ...).
الأمر الثالث: أن يعمل على تنميتها، فإن ذلك من الطريقة التي هي أحسن، وأن يدفع زكاة أمواله، ولقد قال النبي - ﷺ -: " اتجروا في مال اليم حتى لا تأكله الصدقة " (١).
نهايته أن يبلغ أشده، ويؤنس رشده، ويختلف ذلك باختلاف العصور والمعاملات، فيبلغ الرشد حيث لَا تكون المعاملات، معقدة بحجر كبلوغ النكاحِ، ثم تعلو سن الرشد كلما تعقدت المعاملات وهذا ما يرمي إليه قوله تعالى: (حتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ)، أي أعلى قواه العقلية والبدنية ويستطيع أن يدير ماله بنفسه من غير رقابة، والأشد هو القوة العالية على صيغة الجمع من غير مفرد وقيل له مفرد وهو شدة بمعنى قوة ولكن لم يعهد جمع فعلة على أفعل، وقيل جمع شد يجمع على أشد مثل كلب وأكلب.
وأطلقت كلمة أشد على بلوغ الأربعين، كما في قوله تعالى: (... حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً...)، وهي التي تجمد فيها العادات والتقاليد ويعلو صاحبها عن الردع، ولذا قال بعده: (... وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ...).
ولقد قال في ذلك الأصفهاني: " إن الإنسان إذا بلغ هذا القدر يتقوى خلقه الذي هو عليه، فلا يكاد يزايله بعد ذلك ". وما أحسن ما قاله الشاعر:
إذا المرء في الأربعين ولم يكن | له دون ما يهوى حياء ولا ستر |
فدعه ولا تنفِس عليه الذي مضى | وإن جر أسباب الحياة له العمر |
________
(١) سبق تخريجه.