عاصمك من الناس كما في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ...).
ويفسر الزمخشري الناس بأنهم أهل مكة، والإحاطة الإهلاك، وقد بلغ اللَّه نبيه يوم بدر بأن يهلكهم، ويفسر الرؤيا المنامية بأنها رؤياه أنه مهلكهم في هذه الغزوة، وأنه إن لم يهلكهم بالإبادة فقد أضعف سلطانهم، وقد قال في ذلك: " واذكر إذا أوحينا إليك أن ربك (أَحَاطَ بالنَّاسِ)، أي بقريشِ، يعني بشرناك بوقعة بدر، وبالنصرة عليهم، وذلك قوله: (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُولُّونَ الدُّبُرَ)، (قُل لِّلَّذِين كفَرُوا سَتُغَلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ...)، وغير ذلك، فجعله كأنه قد كان وجد، فقال أحاط بالناس على عادته في إخباره، وحين تزاحف الفريقان يوم بدر، والنبي - ﷺ - في العريش مع أبي بكر - رضي الله عنه - كان يدعو ويقول: " اللهم إني أسألك عهدك ووعدك " (١) ثم خرج وعليه الدرع يحرض الناس إلى آخر ما جاء في أخبار بدر ".
وخلاصة تفسير الإمام الزمخشري أنه يفسر الناس بأهل مكة، وأن الرؤيا رؤيا منامية، وأنه رؤيا النبي - ﷺ - التي رآها عندما التقى الجمعان في يوم الفرقان، وأن الهلاك ذهاب شوكة المشركين، وإن أخبار القرآن الكريم تكون عن وقائع المستقبل كأنها وقعت الآن، وكان النبي - ﷺ - قد أخبر بذلك عندما اشتد أذاهم وإثباتهم، وكانت الفتنة في أنهم كذبوا.
ونحن مع إجلالنا لمقام الإمام الزمخشري في البيان لَا نرى رأيه.
أولا: لأنه تأويل بعيد، ولأنه لَا تكون فتنة، ولم يحدث كفر لهذه المناسبة.
ثانيا: لأن الأصل إطلاق العام على عمومه، حتى يقوم دليل أو قرينة على إرادة التخصيص.
________
(١) رواه البخاري: الجهاد والسير - ما جاء في درع النبي - ﷺ - (٢٦٩٩)، وأحمد: مسند بني هاشم (٢٨٨٥).