مفعول لأجله، أي يبخع نفسه هما وحزنا إن لم يؤمنوا، كقوله تعالى: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمنينَ)، والأسف هو الهم الشديد الذي لا يذهب، بل يبقى كقوله: (... غَضْبَانَ أَسِفًا...)، أي مهموما هما يسكن في القلب ولا يكون كالغضب يعرض ثم يزول، كالزوبعة تثور ثم تهدأ، أما الأسف والهم فيبقى.
بعد ذلك بين سبحانه أن الإنسان يرى في هذه الدنيا العبر، وعجائب الوجود ولكن لَا يعتبر؛ ولذا قال تعالى:
(إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (٧) وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (٨)
بعد ذلك ذكر سبحانه وتعالى عذاب القلوب وروح النفوس فأخذ سبحانه يبين غذاء الأجسام ومتعة الأعين، وزخرف الحياة فقال: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا) فزروعها وثمارها وبواسقها ودوحاتها، وأوتادها وحيوانها، ترى القطعان تنفث في المراعي ذاهبة عائدة، (وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حينَ تُرِيحونَ وَحِين تَسْرَحُونَ)، هذه زينة الدنيا، كما قال تعالى: (... وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٥).
وكما قال تعالى في سورة ق: (وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٧) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٨) وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (٩) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (١٠) رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (١١).
هذه المتع التي تشرق بها النفس فتجد فيها سعادة النفس وغذاء الجسم مكن اللَّه تعالى بني آدم منها لغاية، وهو الاختبار؛ ولذا قال تعالى: (لِنَبْلُوَهُمْ أَيهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)، أي لنعاملكم معاملة المختبر الذي يريد أن يظهر ما قدره لكم محسوسا واقعا، وقوله تعالى: (أيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)، أي حالهم حال من يُسأل أيكم أحسن عملا، فالاستفهام هو معنى الابتلاء، فمن اغتر بالدنيا واستولت عليه


الصفحة التالية
Icon