لا يهمنا الخبر كله، وإنما يهمنا منه أنه ذكر دقلديانوس وقد ذكره، وكان من أشد أباطرة الرومان على النصارى وخصوصا أهل مصر، فقد أوقع بهم مقتلة عظيمة كانت سنة ٢٨٤ من الميلاد، ومنها كان التاريخ القبطي، وهذا يدل على أنهم كانوا بعد النصرانية، ولم يكونوا قبلها.
وما ذكر في كتب السيرة من أن اليهود حرضوا المؤمنين على أن يسألوا عن الروح وأهل الكهف وذي القرنين فهو متزيد فيه، والثابت برجحان الأسئلة كانت عن الروح، وعن العبد الصالح صاحب موسى وعن ذي القرنين كما ذكرنا أولا، وأن الاضطهاد للنصارى استمر حتى حرفوا دين المسيح - عليه السلام -، وكانت سيادة التثليث بعد سنة ٣٢٥ عقب مجمع نيقية وكان الاضطهاد قبل ذلك للموحدين، وأهل الكهف منهم، وكانت معجزة اللَّه تعالى فيهم.
ولكن ما عددهم، وما المدة التي مكثوها؟، أما عددهم فكما تدل الآيات سبعة، وحكى اللَّه تعالى عنهم ذلك، فقال عز من قائل: (سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (٢٢).
وربما يكون هذا النص مشيرا إلى أنهم سبعة، لأنه ذكر في الثلاثة والخمسة أنه رجم بالغيب، ولم يذكر ذلك في السبعة، ولكنه سبحانه وتعالى نهى عن المماراة في ذلك، وعدم الاستفتاء فيه؛ لأنه لَا جدوى في معرفته، وكل علم لا يترتب عليه اعتقاد أو عمل لَا فائدة فيه ولا في شغل الذهن به.
وأما المدة التي مكثوها في الكهف، فإنها كما قال اللَّه تعالى: (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا)، أي أنهم مكثوا تسع سنين وثلاثمائة،
بالسنين القمرية، وبعض العلماء قدرها بالشمسية بثلاثمائة سنة، ويأتي بعد ذلك في أي عصر من العصور كانت هذه المدة، وكنا نظنها في عهد دقلديانوس الذي أشار إليه ابن كثير، ولكن رجَّعَنَا النص القرآني إلى الحق، وهو تسع وثلاثمائة، ولا يمكن أن يكون ابتداء المكث في عهد دقلديانوس؛ لأن معنى ذلك أنه استمر