أحيانا، وفي ذلك إشارة إلى أن واجب هذه الصلات أن يرشدوهم ويهدوهم، وقالوا: ما يفعل هؤلاء، (اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ)، أي من غيره (آلِهَةً)، يشيرون بذلك إلى أنها ليست آلهة، ولكنهم عدُّوها كذلك وليس لها أي قدرة على الخلق والتكوين، ولا تنفع ولا تضر، إنما هي أوهامهم التي زينت لهم أن لهم ألوهية على ما تصوره خيالاتهم، والخالق المستحق للعبودية وحده هو اللَّه الواحد القهار.
وليس عندهم برهان يدل على استحقاقهم للألوهية؛ ولذا قالوا: (لَّوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ)، أي هلا يأتون ببرهان قاطع منتج يدل على ألوهيتهم، فالسلطان معناه البرهان الدال على هذه الألوهية الىْ ادعوها، وعبدوها، وهي لا تنفع ولا تضر، فقام الدليل لمنع عبادتها، ولم يقم برهان على جواز عبادتها إنما هي أوهام توهموها.
ولقد أكدوا نفي الدليل بقولهم: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا) الفاء للإفصاح؛ لأنها تفصح عن شرط مقدر، وتقدير الكلام: إذا كانوا قد اتخذوها من غير برهان صحيح، فقد ظلموا، والاستفهام للنفي، أي لَا أحد أظلم ممن تعمد الكذب على اللَّه، بنسبة الشريك إليه سبحانه، و (كَذِبًا) مفعول افترى، بمعنى قصد إلى الكذب، أو نقول إن (كَذِبًا) حال موكدة لمعنى الافتراء.
وإنه إذا كان من كلام هؤلاء الفتية فهو تبكيت مقولهم؛ لأنه لَا دليل على الباطل المحال، فهو لوم وتأنيب لهم، ويقول تعالى: (... أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ...) فهي أسماء لا مسميات لها.
وقد خاطبهم اللَّه سبحانه وتعالى بالوحي والإلهام عندما كانت المفارقة الفكرية بينهم وبين قومهم، واعتزالهم لهؤلاء الأقوام أن يجعلهم آية لمن بعدهم فألهمهم أن يأووا إلى الكهف؛ ولذا قال تعالى:
(وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا (١٦)


الصفحة التالية
Icon