المستيقن المذعن، فاللَّه سبحانه وتعالى وحده هو الذي يعلم عدتهم بعد مرور هذه القرون على بعثهم من الكهف، وموتهم الموتة الأخيرة التي يكون بعدها البعث والقيامة، والجزاء، (مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ)، أي مما كانت حالهم يعلمها عدد كبير تتناقله الأجيال تناقل جمع عن جمع حتى يبلغ حد التواتر المقطوع به، بل كانوا وجهادهم الأول عددا قليلا، وفي انبعاثهم لم يعلمهم إلا عدد قليل؛ الملك ومن يحيط به من حاشية، إن كان الملك قد علم، أو من تولوا إقامة المسجد حول قبورهم.
وإذا كان الذين تحملوا العلم بأمورهم عددا قليلا (فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا)، " الفاء " للإفصاح كما رأيت؛ لأنها تفصح عن شرط مقدر، المراء المجادلة برد ما يقول الخصم، والمراء منهي عنه لأنه يجر إلى قول الباطل ومجاراة الخصم، وكل مراء يجعل كل متكلم متعصبا لَا يقول؛ لأنه يستمسك برؤيته هو من غير التفات إلى رؤية غيره، وقد تكون هي الحق، فهو عماية عن النظر الكامل بمعرفة الأمر من كل وجوهه ولكن استثنى المراء الظاهر، وأميل إلى أنه استثناء منقطع، ولكن سمي مراء من قبيل المشاكلة اللفظية، ومعنى المراء الظاهر ألا يحاول تعرف مقدمات قوله، أو الأدلة عليه؛ لأن أسباب العلم غير متوافرة، فليكتف بما ذكر القرآن وهو الصادق الذي لَا ريب (وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهمْ أَحَدًا)، الضمير في (مِّنْهُمْ) يعود على ما يعود إليه الضمير في قوله تعالى: (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ...) والظاهر أنهم أهل الكتاب من نصارى نجران، وغيرهم من أهل الإنجيل.
والاستفتاء معرفة الفتوى، أو الحكم، أو القول الصادق، أي لَا تحاول معرفة أحوال أهل الكهف من هؤلاء النصارى الذين يعاصرونك؛ لأنه بعد أن حرفوا ما حرفوا، صارت أخبارهم غير موثوق بها.
وإن أحوال أهل الكهف، وأخبارهم من شأنها أن تربى الإيمان في قلوب المؤمنين؛ ولذا ناسب هذا أن يأمر اللَّه تعالى بالتفويض، وأن يعلم المؤمن أن الأمور لا تسير إلا بإرادة اللَّه تعالى ومشيئته، وأن يذكر اللَّه دائما فقال تعالى: