أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٣٥).
ولكن من بعده اختلفت الفرق على نِحَلٍ متباينة فويل لهم من مشهد يوم عظيم (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٣٨) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٣٩).
ويجيء في السورة أخبار الأنبياء السابقين وما اقترن برسالاتهم من معجزات وما جاءوا به من شرائع، فابتدأ بقصة أبي العرب إبرهيم - عليه السلام -، وفيها تتجلى محبة الأبناء للآباء فيريد لمحبته أباه أن يجنبه عبادة الأوثان ويدعوه إلى تركها فيقول:
(يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (٤٤) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (٤٥)
ويرده أبوه ردا جافيا فيضطر لاعتزاله وقلبه معلق بمحبته وطلبه الهداية له، ويذهب به فرط محبته إلى أن يستغفر له ويقول: (سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا)، وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا).
ثم ذكرت قصة موسى وكيف وهب اللَّه من رحمته معه أخاه هارون نبيا، ثم ذكر أخبار إسماعيل - عليه السلام - منفردا عن أولاد إبراهيم - عليه السلام -، وفي هذا إشارة إلى أنه عمود نسب متفرع من إبراهيم - عليه السلام - وأنه سيكون منه محمد خاتم النبيين (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (٥٤)
وترجع السورة في التاريخ فتشير إلى إدريس - عليه السلام - (إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا)، ويشير سبحانه إلى النبيين أجمعين: (أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (٥٨).
وقد أشار سبحانه إلى أن الخلاف جعل منهم الصالحين، والذين أضاعوا الصلاة (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (٥٩) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (٦٠)
وتفصل السورة الكريمة جزاء المتقين وعقاب الكافرين في بيان معجز ككل آيات القرآن وسوره.


الصفحة التالية
Icon