(يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (٧)
ابتدأ الإجابة بندائه باسمه إدناء، وعناية وإظهار الحبة واختصاصه، وتمكينا لإجابته في ندائه الضارع، وأردف ذلك النداء المقرِّب بقوله: (إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ)، (نُبَشِّرُكَ) أضاف سبحانه التبشير إلى ذاته العلية ذاكرا بضمير المتكلم العظيم فوق كل عظمة الذي لَا يتقيد بأسباب الناس وعاداتهم، بل إنه الفعال لما يريد (بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى)، وتأكيدا للتبشير سماه اللَّه تعالى، فسماه يحيى، ولهذا الاسم مناسبة واضحة بالنسبة لأبويه، فأبوه شيخ فان، وكأنما رد إليه شبابه في حياة ولده فكان له إحياء، وأمه عاقر، كأنما خلق اللَّه تعالى الحياة في رحم جف فلم يربّ جنينا، فكان منه الولد، وذلك بلا ريب خرق للأسباب والمسببات العادية التي فرضها فأسفة اليونان الذين قارنوا ظهور المسيح - عليه السلام - ومريم أمه، وزكريا كافلها، و (لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا)، أي شبيها في خلاله وسجاياه، فقد كان حصورا من الصالحين وليس له سمي، فالتسمية من اللَّه، وقد سبق يحيى بها كل الأسماء التي سمي بها الرجال.
وهنا نجد نبي اللَّه زكريا، وقد وقف بين حالين: حال الإيمان باللَّه خالق الأسباب والمسببات الذي لَا تقيد إرادته عادة ولا سبب أي سبب، والحال التي تسود الناس، وهي سيطرة الأسباب والمسببات العادية على تفكيرهم، فبالأولى طلب ما طلب عالما أن اللَّه تعالى فوق الأسباب والمسببات، وبالثانية ثار عجبه؛ ولذا قال تعالى عنه:
(قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (٨)
الاستفهام ليس للاستنكار؛ فكيف يستنكر نبي قدرة اللَّه تعالى على الأشياء من غير وسائط وأسباب، وهو خالق الوسائط والأسباب، وإنما كان هذا السؤال للتنبيه إلى موضع الغرابة، وليؤمن من لم يكن آمن بقدرة اللَّه تعالى، وأنه لا


الصفحة التالية
Icon