الصفة الأولى: ذكرها الله تعالى بقوله: (وَحَنَانًا)، والحنان الشفقة والرأفة والرفق في معاملة الناس، والفيض عليهم من حبه، والحدب عليهم، والواو عاطفة على (وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا)، فذلك بدا فيه منذ كان صبيا، وهو مما أودعه اللَّه تعالى في فطرته، ولذا قال: (مِّن لَّدُنَّا)، أي أن اللَّه تعالى أعطاه تلك الصفة منه لا بتربية ولا تعليم فهو مهدي حنون شفيق بمقتض تكوينه الفطري.
والصفة الثانية: الطهارة وذكرها اللَّه تعالى بقوله: (وَزَكاةً)، أي طهارة، وهي طهارة إيجابية فهو طاهر في نفسه، ويفيض بطهارته على غيره، ولذا نقول: إن " زكاة " تتضمن طهارة النفس، والفيض على قومه بالصدقات، فتكون طهارة لذاته وطهارة لمجتمعه من الموبقات، فإن الزكاة طهارة للمجتمع.
والصفة الثالثة: التقوى وقد قال تعالى (وَكانَ تَقِيًّا)، أي كانت نفسه مملوءة بالتقوى وهي خوف الله تعالى، وخوف الشر لقومه، فكان نبيا، وكان إنسانا كاملا سوي الخلق والنفس، وتحققت فيه أمنية أبيه ولذا قال تعالى:
(وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (١٤)
هذان الوصفان يضافان إلى الأوصاف الثلاثة السابقة، أول الوصفين إيجابي، والثاني سلبي.
أما الوصف الأول: فهو أنه كان برا بأبويه، وهو استجابة لزكريا؛ لأنه كان يخاف الموالي من ورائه، فجاءه البر به وبأمه، والذي به تقر أعينهما، ولا يجدون شقوة في عشرته بل يصاحبهما صحبة طيبة كريمة برة.
والوصف الثاني: سلبي، وهو أنه لم يكن جبارا مستكبرا مستطيلا على الناس بقوته أو رهبته، بل كان أليفا متطامنا مطمئن النفس عادلا، لَا يُرهب، ولا يتجبر، ووصف الجبار بأنه عصي، وكل جبار عصي؛ لأن يعصي بالبعد عن الناس ويعصي بمجافاتهم، ويعصي بعداوتهم، ويعصي بالظلم، فالظلم مرتعه وخيم، ويشقى فوق ذلك بغضب اللَّه تعالى عليه، وحسب الظلم شقاء، فإنه لَا يظلم إلا