ولم يذكر علماء الأخبار شيئا يتعلق بمدة حمله، فكان ذلك على مجرى المعتاد في الحمل وهو تسعة أشهر حتى يأخذ الجنين أدواره كلها علقة ثم مضغة فعظاما، ثم تكسى العظام لحما، وكان الأمر الخارق للعادة أنه لم تكن نطفة في قرار مكين تولدت عنها العلقة، والنفخ في القميص من روح اللَّه جبريل لَا يوجد نطفة، ولكن روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - ما هو إلا أن حملت فوضعت في الحال، قال القرطبي: لأن الله تعالى ذكر الانتباذ عقب الحمل، ولعله يؤيد ذلك النظر العطف بالفاء في الحمل ثم في الانتباذ ثم في مجيء المخاض، ولا مانع عندنا من قبول ذلك، ولكن لَا دليل عليه، وإن صح يكون أمرا خارقا آخر، ولم يذكر ما يدل عليه من القرآن ولا السنة المرفوعة إلى الرسول - ﷺ -.
وكانت - عليها السلام - قد انتبذت الناس في ذلك المكان القصي، حتى اضطررت إلى الخروج منه وذلك بسبب المخاض الذي هو مقدمة الولادة، ولذا قال تعالى:
* * *
(فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (٢٣) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (٢٤) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (٢٥) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (٢٦)
* * *
(فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (٢٣)
من إخباره إلى حمله على المجيء وساقه إليه غير مختار فيه، ولذا كان معناه ألجأها المخاض وهو الطلق عند النساء أو مقدمة الولادة، وكان إلجاؤها إلى جذع النخلة؛ لأنها احتاجت إلى شيء تعتمد عليه وتتعلق به لشدة الحمل وكره الولادة