خارقة لنظام الأسباب والمسببات. والنداء (أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا) (أن) المدغمة في (لا) التفسيرية، أي كان النداء لَا تحزني (قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا)، السري يطلق بمعنى الأمثل الكامل، ويقولون: السري من الرجال هو الأمثل الكامل، ولقد قال الحسن في عيسى - عليه السلام -: كان واللَّه سريا من الرجال وإن ذلك استثارة لمحبة الأمومة وعاطفتها، إذ إن بشراها بأنه سيكون له شأن أي الشأن، يسري عنها، ويذهب بحزنها، فلا يشغلها ما تنتظره من ملامة كما يكون معها من الغلام الأمثل الذي هو الفرحة التي تذهب الترحة، ويفسر بعض العلماء السري بأنه جدول ماء كان تحت الهضبة التي هي فيها، ونقول ما كان حزنها لطعام وشراب إنما كان حزنها لخشية الملام الذي تتوقعه، وهي البريئة، وتقول ذلك وإن كان ذكر الأكل والشرب قد يرشح لمعنى جدول الماء، وقد رُوى أن النبي - ﷺ - قد فسر السري بجدول الماء (١).
وقال تعالى:
________
(١) انظر الحاكم في المستدرك (٣٤٦٠)، وقال: هذا صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ورواه الطبراني في الصغير عن البراء بن عازب مرفوعا، كما في مجمع الزوائد: ٧/ ١٤٩ (٥٥١١١).
(وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (٢٥)
(الواو) عاطفة، فيعد أن نهى المنادي عن الحزن أخذ يدعوها بعد الانصراف أن تأكل مستريحة مطمئنة، وأن تشرب هنيئا مريئا وتلتفت إلى حاجة الجسم الذي نهكه المخاض وتحتاج إلى تعويضه.
والباء في قوله تعالى: (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَة) يقول الزمخشري أنها صلة للتأكيد كقوله تعالى: (... وَلا تُلْقُوا بِأيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ...).
وأرى أن الباء للدلالة على تسهيل وصول الرطب إليها؛ ذلك أنها تهز في مكان هو الجذع تتساقط عليها الرطب من عَلٍ، وذلك بلا ريب تيسيرا للوصول، فلا تهز من أعلى بل تهز بمكان قريب منها، وهي النفساء والتي تتعبها الحركة الكثيرة.
وقوله (إِلَيْكِ) للإشارة إلى قرب المكان الذي تهز منه بشدة إليها، وقال الزمخشري: إن في قوله تعالى: (تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا) تسع قراءات، وكل يتعلق بحركات الفاء، ولا فرق كبير بين معاني هذه القراءات، ولذا لَا حاجة إلى


الصفحة التالية
Icon