ذكرها، ولتراجع في موضعها، والرطب البلح الطيب السهل في تناوله، والجني: القريب الجني، أي أنه لم تمض عليه مدة تفسده، وجاء في الكشاف وقالوا كان من العجوة، وقيل: ما للنفساء خير من الرطب ولا للمريض خير من العسل، وقيل: إذا عسر ولادها لم يكن لها خير من الرطب.
وقد قال أكثر المفسرين: إن جذع النخلة كان جافا، وهي جافة، ولم يكن فيها ثمر فأثمرت فكان ذلك خارقا للعادة، ونقول: إن الآيات الكريمات الخاصة بالحمل بعيسى - عليه السلام - وولادته ثرية بالخوارق فلا نزيد عليها إلا ما يثبت بالنص، ولا نفرض من غير نص.
وإذا كان الطعام والشراب قد توافر فقد كان حقا عليها أن كل وتشرب، ولذا قال تعالى:
(فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (٢٦)
(الفاء) للإفصاح؛ لأنها نفصح عن شرط مقدر، أي إذا كانت البراءة متوافرة، وقد تهيأ الطعام والشراب وكان معك غلام سوي سيكون الأمثل بين الرجال، (فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا)، فكلي من الرطب الجني، واشربي من الجدول السري، (وَقَرِّي عَيْنًا) بما وهبك اللَّه تعالى من غلام زكي، وقرار العين سكونها، وإن الإنسان في اضطرابه وخوفه تدور عينه ولا تستقر، فكنى بقرار العين عن السكون والاطمئنان، فقرار العين يعلن عن قرار النفس، والأمر بقرار العين وإن لم تكن تحت سلطان الإرادة أمر باطمئنان النفس وإبعاد الهواجس المخيفة، وألا تتوقع سوءا؛ لأن اللَّه معها، وقامت الخوارق الدالة على أنه سبحانه وتعالى معها، ومن كان اللَّه معه فإنه يجب أن يكون مطمئنا قرير العين والنفس.
ولقد صرح الملك بما يجب عليها لاتقاء فضول الناس قال الملك: (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) " إن " حرف شرط، و " ما " تأكيد لفعل الشرط، بدليل التوكيد بالنون الثقيلة، كتوكيد القسم، وهو توكيد لأنها سترى من البشر كثيرا ولا ترى منهم ومن فضولهم ما لَا يسرها،