وأومأ إليها بأن تنذر للَّه تعالى صوما عن الكلام (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا) وكأنه أشار إليها أن تنذر الصوم عن القول تقربا إلى اللَّه تعالى، فالسكوت من لغو القول قربة يتقرب بها إلى اللَّه تعالى، وعبر عن اللَّه تعالى بوصفه الكريم " الرحمن "، للإشارة إلى أن ذلك الصوم من رحمة اللَّه تعالى بها وتقريبه إليها. وهي إذ تقول ذلك لقومها تؤكد بُعْدها عن لغوهم، وعن سفه سفهائهم، ولذا أكدت النفي بقولها: (فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا)، أي لن أكلم إنسانا قط طيبا أو فاجرا، برا أو بغيا، ولذا قالت: (إِنسِيًّا)، أي منسوبا للإنس، والعلاقة بينه وبين الإنسان أنه إنسي مجرد من غير نظر إلى حاله في تقواه أو فجوره.
التقت بهم، وعبر اللَّه تعالى عن لقائها بهم بقوله تعالى:
* * *
(فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (٢٧) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (٢٨) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (٢٩) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (٣٠) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (٣١) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (٣٢) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (٣٣)
* * *
(فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (٢٧) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (٢٨)
الفِرى العظيم القبح فقوله تعالى: (فَرِيًّا)، أي أمرا عظيما، وهو أنك أتيت بولد لَا نَسب له، وهو من يكون من زنى، ومن الأدب في التعبير أن يقول