وتطهيرها والتقريب من اللَّه تعالى، وأن يكون ربانيا في ذات نفسه، (وَالزَّكَاةِ) إعطاء الفقير حقه، وتطهير المجتمع من آثام الفقر فكان الإيصاء بالصلاة والزكاة إصلاحا للنفس والمجتمع، فبالصلاة صلاح النفس وتطهيرها لتألف وتؤلف، وبالزكاة يكون التعاون الاجتماعي بين الغني والفقير.
وقد قرر الغلام الطاهر أن ذلك كتب عليه ما دام حيا، لَا يترخص في ترك الصلاة ولا يسوغ تركها، ولا مسوغ لترك الزكاة إذا توافرت موجباتها.
وإن جعل هذه الأفعال بالماضي لتأكيد حصوله في المستقبل؛ ولأن الماضي والمضارع والأمر إنما هو بالأزمان التي يتفاوت العلم بها عندنا، أما بالنسبة للَّه تعالى فعلمه أزلي لَا تحده الأزمان.
والأمر الثالث ذكره سبحانه وتعالى عند بقوله:
(وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (٣٢)
في هذا النص الكريم أمران جليلان:
الأمر الأول: إيجابي وهو بر أمه، وحسن صحبتها والإحسان إليها جزاء ما قالت بسببه فقد وضعته كرها وحملته كرها، وقالت من الأذى النفس والملام وتحملت ما تحملت في سبيل ذلك حتى برأها اللَّه تعالى بكلامه هو، ومهما يكن فقد تحملت قبل أذى كثيرا، فكانت جديرة بحسن الصحبة والإحسان، وهو البَر الطاهر الكريم، بالآدمية الروحية.
الأمر الثاني: سلبي، وهو قول تعالى: (وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا)، الجبار هو الظالم المتكبر المتطاول على الناس بالحق الذي يؤذي الضعفاء ويستعلي عليهم، وقد كان من نعمة اللَّه تعالى التي أنعم اللَّه تعالى على عيسى - عليه السلام - أنه لم يجعله جبارا، وقد وصف الجبار بأنه شقي مطرود من رحمة اللَّه، وقد كتبت عليه الشقوة في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فهو أنه مبغض إلى الناس يتمنون به النازلات، ويتحينون له الفرض ليردوه، وهو يتوجس بنفسه من الناس وممن يحيطون به، فهو في شقاء دائم لنفرة الناس منه، فلا سعادة في نفسه وإن حسبه الناس سعيدا فهو