القدس، ثم اختلفوا أهو نشأ من الله أم من المسيح أم منهما، ثم كان الخلاف في المشيئة أهي من الناسوت واللاهوت أم منهما، إلى آخر ما اختلفوا، ثم ثبت في النصرانية الأخيرة من قال: إن المسيح شخصية خرافية لَا وجود لها، اخترعتها الأفلاطونية الحديثة لتجعل مذهبها دينا من الأديان، فيسهل الإقناع بها، وذلك لتوافق النصرانية المثلثة مع هذه الفلسفة تماما.
وقد بين اللَّه تعالى الحق في المسيح عيسى - عليه السلام - وهو أنه عبد من عباد اللَّه تعالى اختاره سبحانه نبيا رسولا، وقد خُلق من غير أب، ليكون في خلقه آية، تبين أن اللَّه سبحانه وتعالى فعَّال مختار لَا يلزمه نظام الأسباب العادية ومسبباتها.
ولقد أكد سبحانه ما ذكره من أنه خَلْق من مخلوقات اللَّه تعالى، لذا قال عز من قائل:
(مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٣٥)
نفَى سبحانه وتعالى أن يكون له ولد مثبتا له سبحانه بلحن القول وبصريحه أن ذلك ليس من شأنه، ولا من صفات الكمال والجلال، اتصف سبحانه وتعالى بها مخالفا الحوادث فقال: (مَا كانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ)، أي مما ساغ، ومما استقام أن يتخذ من ولد أيّ ولد كان، عيسى أو غيره؛ لأنه منزه عن مشابهته للحوادث؛ ولأنه دليل الاحتياج، واللَّه غني حميد لَا يحتاج لأحد؛ ولأنه خالق الوجود فنسبة كل موجود إليه كنسبة المخلوق للخالق؛ ولأنه لو كان له ولد لكانت له صاحبة تلده، ولذا قال تعالى: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٠١)، وقد صرح سبحانه بتنزيهه عن ذلك فقال تعالى: (سُبْحَانَهُ)، أي تقدست ذاته المتصفة بالكمال، والغني عن كل البشر، والذي ليس كمثله شيء - عن ذلك: (إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ)، أي إذا حكم بوجود أمر أراد أن يوجد تكون إرادته وحده هي الموجدة وحدها من غير أوساط، ولا وسائط، وقد شبه حاله في ذلك