استغرقتهم الغفلة واستولت عليهم وحاطتهم كأنها ظرف لهم قد استقروا فيه، والغفلة قد جاءتهم من غرور بالحياة الدنيا، ومن استيلاء الأهواء على نفوسهم، فصاروا لَا يصدرون إلا عنها، وجاءتهم من سيطرة الأوهام عليهم، وجاءتهم من أنه لَا مرشد ولا هادي، وليس فيهم أمر بمعروف أو نهي عن منكر.
والوصف الثاني: أنهم (لا يُؤْمِنُونَ) وعبر اللَّه سبحانه عن ذلك بقوله تعالى: (لا يُؤْمِنُونَ) وهذه الجملة حالية كأختها، والحال أنهم لَا يؤمنون، وكان النفي نفيا للمضارع للإشارة على استمرارهم على الإيمان وهو نتيجة للغفلة التي أحاطتهم وسكنوها؛ لأن الإيمان بصر الحقائق وإدراك لها.
هذا، وإن الغرور المتمكن في أهل هذه الدنيا أنهم يحسبون في أعمالهم أنهم باقون، ولا يفكرون في الموت، وإن فكروا في الموت لَا يفكرون في البعث، وقد أكد سبحانه وتعالى هاتين الحقيقتين الموت والبعث فقال تعالى:
(إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (٤٠)
أخبر اللَّه تعالى عن نفسه بعبارة تدل على عظمة اللَّه وجلاله، وأكد ضمير (إِنَّا) بـ (نَحْنُ)، للدلالة على أنه لَا باقي إلا اللَّه تعالى، والجميع ميت، كما قال تعالى مخاطبا نبيه: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (٣١)، وقوله تعالى: (نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا)، أي نحن نرث الأرض ونرث من عليها، فموضع (وَمنْ) في قوله تعالى: (وَمَنْ عَلَيْهَا) النصب بـ (نَرِثُ)، ومعنى وراثتها أنه هو وحده الباقي بعد الأرض ومن فيها فكلها إلى نهاية، وقد شبه وجوده العزيز الجبار بأنه يكون بعدها؛ كي يكون الوارث بعد المورث، فالمورث يموت والوارث يموت بعده، ولكن اللَّه حي لا يموت، وليس المعنى أن اللَّه يرث الأرض ويرث ما ترك الناس من المال والنسب، فاللَّه غني عن المخلوقات كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)، ثم قال: (وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ) وهو البعث، وقدم الجار