وقد أعقب التوبيخ بالتهديد، والإنذار الشديد، في عبارة فيها معنى القسم والتأكيد بمؤكداته (لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ) الرجم: الرمي بالرجام والحجارة واللام هي الموطئة للقسم واللام في (لأَرْجُمَنَّكَ) اللام التي تكون في جواب القسم، وقد أكد بنون التوكيد الثقيلة وهو تهديد بالقتل بأقسى أنواعه، فهو الضرب بالحجارة حتى يموت إن لم ينته عن هذه الدعوة التي أصابت إيمانه بالأوثان فخيبت رجاءه فيه، وإن كان أمرا غير محمود في نظره المنحرف الضال.
هذا إيعاد إن عاد، ثم حسم الأمر بقوله: (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) وقد تضمن التهديد التحذير، كأنه قال له فاحذرني ولذا عطف على الفعل الذي تضمنه التهديد بالرجم واهجرني مليا، فهي عطف على الفعل الذي تضمنه التهديد بالرجم.
(مَلِيًّا)، أي ملاوة من الزمن الطويل، ويدعوه أبوه إلى أن يهجره هجرا غير جميل، ولا يهتم بأمره ولا يجالسه ولا يقاربه، وهذه مبالغة في الاستنكار، وقد صم أذنيه عن الحق ولا يريد أن يسمعه.
وإنه إذ يعلن هذا النفور الجافي يعلن الابن البار الذي هو مَثَلٌ سامٍ كريم للأبناء يقول كما قال اللَّه تعالى عنه:
(سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (٤٧)
هو يقابل الإساءة بالحسنة، ويعذر أباه في إساءته؛ لأنه في ضلال بعيد وإفك أثيم قد استغرق نفسه وأعمى بصيرته، وأصابه بغشاوة على قلبه (سَلامٌ عَلَيْكَ)، معناه أَمْنٌ يفيض عليك وهو تحية له وهو يفارقه ويريد له السلامة في غيبته، وأن يكون في أَمْنٍ، فهو يفارقه على مودة، وإن كان يقول مقالة القطيعة، وقد قال بعض المفسرين أن ذلك من قبيل قوله تعالى: (... وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا).