ولم يكن ذلك التشريف والتكريم فقط لموسى - عليه السلام - بل آتاه نعمة أخرى بأن أرسل معه أخاه هارون نبيا فقال تعالى:
(وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا (٥٣)
أحس موسى - عليه السلام - بعظم التكليف الذي كلفه، وهو أن يدعو إلى الإيمان طاغية الدنيا في عصره، وأنه مهما يكن عِظَم التكليف فهو راضٍ به قائم بحقه، ولكن طلب أن يكون معه أخوه هارون وزيرا له ومعاونا ليحمل العبء كاملا ويعاونه فإن له بيانا ليس لموسى، وقد طلب موسى ذلك فقد قال اللَّه تعالى: (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (٢٥) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (٢٦) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (٢٧) يَفْقَهُوا قَوْلِي (٢٨) وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (٢٩) هَارُونَ أَخِي (٣٠) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (٣٢)، فكان من نعمة اللَّه تعالى على موسى أن جعل له من رحمته أخاه هارون نبيا، والرحمة كانت في هبته له نبيا، ذهبا معا إلى فرعون وخاطباه قائلين: (إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى (٤٧).
هؤلاء من ذرية إبراهيم الذين كانوا من إسحاق، وقد كان لإبراهيم ذرية أخرى - كان منهم خاتم النبيين - هو إسماعيل - عليه السلام -، وقد قال تعالى في ذكر إسماعيل:
(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (٥٤) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (٥٥)
وقد أفرد القرآن إسماعيل بالذكر؛ لأنه كان يقيم بالبلاد العربية، وأقام هو وأمه حول الكعبة، لسدانتها وحراستها، وإفراده بالذكر تشريف له وإكرام، فإذا كان أخوه إسحاق - عليه السلام - أبا أنبياء بني إسرائيل الذين قاموا بتنفيذ التوراة وتفسيرها، فإن من ذرية إسماعيل - عليه السلام - خاتم النبيين الذي جاء بالكتاب المهيمن على كل الكتب المنزلة، والذي فيه كل الأنبياء ومعجزاتهم.