وإني أراها كأخواتها من الحروف التي تبدأ بها السور، يقال: إنها أسماء للسور، وإذا كان ثمة احتمال لأن تكون بمعنى ندركه، فإنا نميل إلى أن يكون اسما للرسول - ﷺ -.
(مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (٢)
وهناك قراءة (ما نزلنا عليك القرآن)، وفي هذه القراءة إشارة إلى تنزيل القرآن منجما، ولم ينزل دفعة واحدة، بينا ذلك في مواضعه من القول، وقوله تعالى: (لِتَشْقَى) " اللام " لام التعليل، أي ما أنزلناه عليك لتتعب وتذهب نفسك عليهم حسرات إذا لم يؤمنوا، كما قال تعالى: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)، وقال تعالى: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نفْسَكَ عَلَى آثَارِهمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَديثِ...)، وقال تعالى: (وَلا يَحْزُنكَ الًّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ...)، فالنبي - ﷺ -كان يحمل هَمَّ كفرهم، ويحسب أن ذلك قد يكون عن تقصير في دعوته، وذلك لقوة حِسِّه وشفافية روحه، ولحرصه على إيمانهم قال له ربه: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي منْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ...)، وقال تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ)، هذا تقريب لمعنى (لِتَشْقَى)، والكمال لله وحده.
وقال:
(إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (٣)
الاستثناء منقطع بمعنى " لكن "، والمعنى ليس عليك أن تهديهم، وإنما عليك أن تذكر من يخشى ويتقي الله تعالى، ولكن لماذا خص من يخشى بالتذكرة مع أن التذكرة تكون لمن يخشى ولمن يعصى، فهو بشير ونذير، وذلك لبيان أنه يجب أن يرجو إيمان الذين يخشون، لَا الذين يعصون، فكان حذف إنذار العصاة لبيان أنه لَا ينبغي أن ينتظر منهم إيمانا. و (تَذْكِرَةً) مفعول لأجله، ويكون المعنى ولكن أنزلناه لأجل تذكرة من يخشى وحسبك هؤلاء أن يكونوا مؤمنين.
وكان المؤدى النهائي للآيتين: لَا تحزن، وحسبك من اتبعك من المؤمنين.
وقد بين سبحانه وتعالى شرف القرآن الإضافي قال:
(تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (٤) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (٥)
هذا بيان الشرف الإضافي