لا يخرج شيء مما خلق عن سلطانه، كما يقال: وضع الأمير يده على المدينة، وربما يكون مقطوع اليدين، وكما يقال عن البخيل: يده مغلولة، وعن الكريم: يده مبسوطة، وربما لَا يكون له يد بل تكون مقطوعة، والله سبحانه وتعالى أعلم، وليس الخوض في هذا مما يمكن الوصول فيه إلى حق جلي، ولذا روي عن الإمام مالك أنه قال: " الخوض فيه بدعة ".
بعد ذلك بين سبحانه وتعالى كمال سلطانه بكمال ملكه، فقال عز من قائل:
(لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (٦)
في الآية السابقة بين سبحانه أن الرحمن هو الذي استوى على العرش، وعبر عن الذات العلية بالرحمن الذي هو اسم بالذات، وهو يوحي إلى أنه سبحانه وتعالى مدبر عرشه بمقتضى الرحمة التي تعم الوجود كله، فكل ما يكون هو الرحمة، حتى عذاب العصاة يكون رحمة ليستقيم ميزان الوجود كله فإنه في شريعة الخلاق العليم، لا يستوي الخير والشر، ولا يستوي الظل ولا الحرور.
وقد ذكر سبحانه أن له السماوات بأبراجها ونجومها، وكلها مسخرات بأمره وله الأرض بما فيها من نجاد له ووهاد، وجبال شامخات وبحار وما فيها من أسماك وسفن جاريات تمخر عبابه، وما بينهما من فضاء قد سُخِّر للإنسان، ثم قال تعالى: (وَمَا تَحْتَ الثَّرَى) من معادن وفلزات وغير فلزات وجواهر، وهذا كله من نعم الله على عباده يستخرجون من بحارها وترابها زينة، وهو العليم القدير.
وإذا كانت هذه الآية الكريمة قد بينت ملكه العظيم الذي لَا يخرج عنه شيء - بيَّن سبحانه علمه العظيم الذي لَا تخفى عليه خافية في السماء أو في الأرض، وخصوصا الإنسان فقال تعالى مخاطبا نبيه:
(وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (٧)
الخطاب للنبي - ﷺ -، ولكن مضمونه يعم الناس أجمعين فهو سبحانه يعلم الجهر، ويعلم السر وهو ما يسره وينطق به في خفت، وما هو أخفى من السر، وهو ما تتحدث به الأنفس، يعلم الله تعالى كل ذلك، وقد يسأل سائل: ما مناسبة هذا في هذا الموضع؟ ونجيب عن ذلك، بأنه بيان لعموم علمه ودقته، وهو بعض نتائج ما تقدم (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)، وهو يناسب الحديث مع النبي الهادي الأمين، يبين له سبحانه أنه يعلم ما